عمل إرهابي في فلوريدا

مفتاح شعيب
تجددت صدمة الشعب الأمريكي ولبس الحداد مع جريمة إطلاق نار أخرى استهدفت مجدداً إحدى المدارس. وحسب الإحصاءات الأمريكية، فإن واقعة مدرسة مارجوري ستونمان دوجلاس الثانوية في باركلاند هي ثاني أكبر هجوم بسلاح ناري من حيث عدد القتلى في مدرسة حكومية بالولايات المتحدة، كما أنه هو حادث إطلاق الرصاص الثامن عشر في مدرسة أمريكية حتى الآن هذا العام، بما يعني أنها ظاهرة آخذة في الاتساع وتنبئ بالمزيد من الفواجع إذا غابت الإجراءات الرادعة.
الضحايا الجدد وعددهم نحو 30 قتيلاً وجريحاً أغلبهم من التلاميذ والسفاح الذي سفك دماءهم زميل لهم سابق ذو 19 عاماً تم فصله من الدراسة لعدم الانضباط. وبعد اعتقاله، كشف التنقيب في سيرته بأنه «مضطرب» ومهووس بالأسلحة الأوتوماتيكية والسكاكين، وظهرت عليه سابقاً مؤشرات الانحراف. وقال الرئيس دونالد ترامب إنه «مختل». أما المثير في سيرته فهو انضمامه قبل سنوات إلى فيلق تدريب ضباط الاحتياط الصغار تحت رعاية الجيش الأمريكي، وربما اكتسب من ذلك التدريب تقنيات استخدام السلاح على أعداء مفترضين. ولكن ربما لم يدر بخلد المحيطين به أن يكون رفاقه الصغار هم ضحاياه في وقت لاحق، وهو ما حدث فعلاً في المذبحة التي حدثت مساء الأربعاء بالتوقيت الأمريكي.
التوصيف الموضوعي لحادث مدرسة فلوريدا أنه عمل إرهابي لا يقل بشاعة عن أي عمل آخر. وعلى الرغم من تصنيفه أمريكياً في خانة «الجريمة المسلحة» أو «العنف» يستحق الإدانة والتضامن مع ضحاياه الأبرياء الذين سقطوا غيلة وغدراً. وبالنظر إلى الإحصاءات الرسمية فإن حوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة تحصل كل يوم تقريباً، بسبب الانتشار الكبير للسلاح، وغياب التشريعات للرقابة عليه وضبطه. ومما يذكر أن إدارات أمريكية سابقة حاولت التصدي لهذه القضية، لكنها لم تنجح، لتظل الحوادث تضرب المجتمع على حين غرة، وإذا لم تكن في مدرسة، يكون مسرحها الشارع أو الاحتفالات العامة.
المذابح الناجمة عن إطلاق النار، تكاد تكون ظاهرة أمريكية حصرية وراسخة في ذلك المجتمع منذ عقود، ولكن لا تبدو هناك إرادة جادة للمعالجة، فبعد كل جريمة يعتصر الألم الشعب الأمريكي ويتفنن المسؤولون في نحت كلمات التأبين والعزاء، بينما ينكب علماء النفس والخبراء الاجتماعيون على التحليل والاستنتاج ليخلصوا إلى نتيجة شبه موحدة وهي أن عوامل العنف سببها الثقافة الأمريكية وتزايد التناقضات داخل المجتمع. أما أكبر دلالتها فيتمثل في تنامي أفكار العنف والكراهية على حساب قيم التعايش والتسامح، بما يفرض اتخاذ إجراءات رادعة وبذل جهد كبير لتعزيز ثقافة السلام والاعتدال. وهذا الجهد يتجاوز قطعا إمكانات الولايات المتحدة، القوة العظمى، ليشمل المجتمع الدولي كله، فالحرب على الإرهاب والكراهية مسؤولية الجميع، والنجاح في تحقيق أهدافها يعود بالفائدة على الإنسانية جمعاء.
chouaibmeftah@gmail.com