مقالات عامة

عن المراسم الدبلوماسية اللبنانية الأمريكية

د. خليل حسين

وفقاً لقواعد المراسم والبروتوكول المعتمدة والمتعارف عليها بين الدول وفقاً لاتفاقيات دولية شارعة كاتفاقية جنيف الدبلوماسية 1963، أو وفقاً لاتفاقات ثنائية بين الدول، تبقى الدول ملزمة بتطبيق قواعد دقيقة عند استقبال الوفود الرئاسية، أو الوزارية، أو الدبلوماسية الزائرة للبلد المضيف. وفي أحيان كثيرة، وشائعة، تتدهور مستويات العلاقة بين مطلق بلدين عند حدوث خلل في مراسم الاستقبال، وغالباً ما تظهر للعيان عندما يكون ثمة تباين في المواقف إزاء قضايا استراتيجية، وغالباً ما تؤدي إلى تخفيض مستوى التمثيل وصولاً إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، وفي بعض الحالات النادرة سحب الاعتراف بنظام الدولة الخارقة لقواعد البروتوكول المرعية الإجراء.
فقد أثارت مراسم استقبال وزير خارجية الولايات المتحدة، ريكس تيلرسن خلال زيارته لبيروت، أسئلة، وخلفيات كثيرة عما جرى، ورغم التوضيحات التي أعلنتها وزارة الخارجية اللبنانية والقصر الجمهوري، ظل الجدل قائماً حول طبيعة الاستقبال، وعلاقته بالمواقف السياسية الأمريكية حول بعض القضايا اللبنانية والعربية. فقد انتظر رئيس الدبلوماسية الأمريكية ست دقائق قبل أن يستقبله رئيس الجمهورية. وفي حين أوضحت دوائر القصر الجمهوري، أن الرئيس لم يتأخر في الاستقبال بل إن الوزير وصل قبل الموعد بست دقائق؛ لكن الموضوع لم ينته عند هذا الحد، بل رُبط بكيفية وصول الوزير تيلرسون إلى مطار بيروت، حيث لم يتم استقباله من قبل وزير الخارجية اللبناني، وتم تبرير ذلك، بأن الخارجية اللبنانية تعاملت بالمثل لجهة عدم استقبال وزير الخارجية الأمريكي نظيره اللبناني عند زيارته الولايات المتحدة، وهو أمر شائع بين الدول لجهة التعامل بالمثل، وهذا ما تفعله الدبلوماسية الأمريكية، حيث ترسل مدير المراسم لاستقبال الضيف، وهذا ما فعله لبنان أيضاً في المطار وكذلك عند وصوله للقصر الجمهوري اللبناني.
ثمة من فسَّر خلفية مراسم الاستقبال وما جرى في بعض فصولها، على خلفية استياء لبنان من المواقف الأمريكية وسياستها، وما يحمله الوزير تيلرسون خلال جولته الشرق الأوسطية، بخاصة الشق المتعلق بالنزاع اللبناني-«الإسرائيلي» حول البلوك النفطي رقم 9 في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، وكيفية ترسيمها، إضافة إلى قضية الجدار الفاصل الذي تقيمه «إسرائيل» على الحدود مع لبنان، والخروق المسجلة فيه، حيث أصرَّ لبنان على مواقفه في اللقاءات التي تمّت بين الجانبين اللبناني والأمريكي.
في الواقع ثمة بعض السوابق بين الطرفين اللبناني والأمريكي التي ترجمت بفتور المراسم والبروتوكولات والإتيكيت في بعض المناسبات التي لها خلفيات سياسية. فمثلاً لم يلب الرئيس اللبناني ميشال عون دعوة نظيره الأمريكي العشاء الذي أقامة للرؤساء المشاركين في افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/‏ أيلول الماضي، على خلفية موقف الرئيس دونالد ترامب من قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حيث اعتبرته واشنطن تجاوزاً دبلوماسياً وبروتوكولياً.
سابقتان أخريان سجلتا في عهد الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود، الأولى مع وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت، حيث انهى الرئيس لحود المكالمة الهاتفية للوزيرة تعبيراً عن استيائه لأسلوب الضغط خلال المكالمة، وإصرارها على قبول لبنان للسياسات الأمريكية الشرق أوسطية في العام 2002. والثانية تكررت بين الرئيس لحود والوزيرة كوندوليزا رايس في بيروت أيضاً، حيث تم استقبالها بفتور، ولم يودعها إلى باب الردهة، حيث كان اللقاء الذي لم يدم أكثر من ربع ساعة بدلاً من النصف ساعة .
كما اضطر الرئيس اللبناني الأسبق الراحل سليمان فرنجية إلى إنهاء لقائه بوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر قبل الموعد المحدد في القصر الجمهوري، تعبيراً عن رفضه للطروح الأمريكية حول الأزمة اللبنانية. خرق المراسم والبروتوكول واجهه الرئيس فرنجية أيضاً في سبتمبر/‏ أيلول العام 1974 على طائرته في مطار نيويورك من قبل السلطات الأمريكية، على قاعدة الكلمة التي كان سيلقيها باسم المجموعة العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي أدت إلى اعتبار السفير الأمريكي في بيروت شخصاً غير مرغوب فيه، وبسبب ذلك كادت أن تقطع العلاقات الدبلوماسية الأمريكية – اللبنانية وظل الفتور وتخفيض التمثيل سائداً لوقت ليس بقليل.
ثمة سجل حافل بخرق المراسم والبروتوكول وتجاوز بعض قواعد الإتيكيت بين لبنان والولايات المتحدة. لكن الثابت فيها أنها لم تصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، رغم بعض مراحل التوتر.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى