مقالات عامة

عن دورة «الوطني الفلسطيني» 1988

عوني فرسخ

الرئيس محمود عباس في خطابه أمام المجلس المركزي في الخامس عشر من الشهر الجاري، دعا إلى الاهتمام بدورة المجلس الوطني في العام 1988، وكرر دعوته أكثر من مرة.
دلالة الأهمية التي يوليها الرئيس وأركان السلطة لتلك الدورة، وما أُتخذ فيها من قرارات، وما ترتب عليها في صراع شعب فلسطين وأمته العربية مع التجمع الاستيطاني العنصري ورعاته على جانبي الأطلسي. ولقد انقضت ثلاثة عقود على انعقاد الدورة التاسعة عشرة في الجزائر، وعليه بات في غاية الأهمية التذكير بما جرى في تلك الدورة المفصلية في الحراك الوطني الفلسطيني استناداً إلى الوثائق التي أرخت لتلك الدورة.
يذكر الراحل محمد حسنين هيكل، في كتاب: «سلام الأوهام، أوسلو ما قبلها وما بعدها» (ص 199 – 217)، أن حسيب صباغ، الذي تربطه صلة عمل مع شولتز أيام كان رئيس شركة بكتيل للمقاولات، اصطحب هيكل وأحمد بهاء الدين إلى جنيف، حيث عقدوا اجتماعاً مع عبد المجيد شومان، وسعيد خوري، وعبد المحسن قطان، وزين مياسي، من رجال الأعمال الفلسطينيين،
ود. إدوارد سعيد، وباسل عقل. وخلال أربع جلسات عمل طويلة توصلوا إلى الآتي:
1 – إذا كان مطلوباً من المنظمة الاعتراف ب«إسرائيل» يستحسن أن يجري ذلك تحت مظلة قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947، قبل أي مبدأ دولي آخر، إذ يقضي قرار التقسيم بإقامة دولتين في فلسطين: دولة يهودية ودولة عربية.
2 – مطالبة المنظمة بالاعتراف بقرار مجلس الأمن رقم 242 تَزيد غير مطلوب، فهذا القرار لا يشير إلى القضية الفلسطينية أو حقوق الشعب الفلسطيني، لأنه صدر أساساً بصدد حرب 1967 وإزالة آثار العدوان على مصر وسوريا والأردن.
3 – ترتيباً على الاعتراف بقرار الأمم المتحدة رقم 181 فإن منظمة التحرير يمكن لها إعلان دولة فلسطينية مستقلة تعترف بها الدول العربية، ويمكن أن تعترف بها الدول الصديقة، وبحيث تتولى هذه الدولة التفاوض من أجل حل نهائي للقضية الفلسطينية.
ثم إنهم قرروا التوجه إلى تونس للقاء قيادات منظمة التحرير بمن فيهم د. جورج حبش ونايف حواتمة. وهو التوجه الذي اعتذر عن المشاركة فيه د. إدوارد سعيد. وفي لقاء عرفات والآخرين في مقر المنظمة في العاصمة التونسية، كان عرفات أول المتحدثين وملخص حديثه: «إن الإجراء الوحيد الذي يغطي قبول قرار مجلس الأمن (242) ويوازيه هو إعلان قيام دولة فلسطين خلال المؤتمر الوطني في الجزائر». وبسؤاله هيكل عن رأيه أجابه: «بأن قيام الانتفاضة واستمرارها لأكثر من عام، والوهج الذي عكسته على القضية الفلسطينية، يعطي المفاوض الفلسطيني فرصة لم تكن متاحة من قبل، إذ غدا لأول مرة واقفاً على أرض وطنه مسنوداً بمقاومة شعبه. إن صانع القرار «الإسرائيلي» وقع لأول مرة تحت ضغط لم يتعرض لمثله من قبل.
وما بين 12 – 15 نوفمبر / تشرين الثاني 1988 عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورة استثنائية (الدورة التاسعة عشرة) في الجزائر برئاسة الراحل الشيخ عبد الحميد السائح، وبحضور 330 عضواً يمثلون الفصائل المشاركة في عضوية المنظمة ومناصريها من المستقلين، على قاعدة المحاصصة المعتمدة بين تلك الفصائل. فيما كانت الانتفاضة قد فرضت حضوراً، معتمداً المقاومة السلمية على المسرح الدولي. وبدلاً من تخصيص جلسة المجلس لدراسة سبل تطوير الانتفاضة بما يضاعف إنجازها في تعميق أزمة دويلة «إسرائيل» الوجودية، ويحقق تقدماً ملموساً على درب صراع الوجود واللاوجود الممتد، أو دراسة المقترح الذي جاء به هيكل وصحبه، طرحت القيادة المحتكرة قرار المنظمة ما أسمته «وثيقة الاستقلال» فأيدها 253 من الحضور، وعارضها 46 عضواً وامتنع 10 أعضاء عن التصويت.
ونلاحظ أن دورة المجلس عقدت في وقت كانت فيه فلسطين محتلة من النهر إلى البحر، وشعبها يعيش مرحلة تحرر وطني. وليس في تاريخ حركات التحرر الوطني في العصر الحديث حركة واحدة أعلنت «وثيقة استقلال» قبل أن تحرر ترابها المحتل، كما فعلت قيادة المنظمة بزعامة عرفات ومستشاره الأول حينها محمود عباس.
وكانت الغاية المستهدفة من إصدار «وثيقة الاستقلال» تغطية خطاب عرفات بعيد ذلك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف، والمؤتمر الصحفي بعده، حيث أعلن قبول المنظمة بقراري مجلس الأمن 242 و338، والاعتراف ب«حق «إسرائيل» في الوجود» ما يعني التنازل عن حق شعب فلسطين بأرضه وتقرير مصيره. كما أعلن استجابة لطلب شولتز نبذ «العنف» مُديناً بذلك نضالات شعب فلسطين المتوالية باعتبارها «إرهاباً»، ومؤكداً بذلك تخليه ومحتكري قرار فتح والمنظمة عن خيار المقاومة، واعتماد نهج المفاوضات التي توجت بعقد اتفاق أوسلو، الذي وقعه محمود عباس مع اسحق رابين في حديقة البيت الأبيض الأمريكي، تحت رعاية الرئيس كلينتون في 13/ 9 / 1993. وكان طبيعياً وتلك كانت حال قيادة المنظمة أن تأتي «مفاوضاتها» على النحو المأساوي الذي جاء عليه اتفاق أوسلو. وهذه هي الدورة كارثية النتائج التي أوصى بها الرئيس محمود عباس!!
admin@afcocpa.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى