عن شطب “الجماعة الإسلاميّة المسلّحة” من قوائم الإرهاب!
منير أديب
في خطوة لم تكن مفاجئة، رفعت الولايات المتحدة “الجماعة الإسلامية المسلحة” و”مجلس شورى المجاهدين” (أكناف بيت المقدس) في مصر من قوائم الإرهاب، بحجة أن كلا التنظيمين لم يمارسا إرهاباً منذ فترة! فربما يكون مقياس واشنطن في وضع التنظيم على قوائم الإرهاب نجاحه من عدمه في تنفيذ عمليات إرهابية أو ما يُشكله من خطر.
القرار الأميركي يهدف إلى تصحيح الوضع الخاص بكلا التنظيمين، فقد نست أو تناست واشنطن أن العنف قد يكون فكرة تتم ترجمتها إلى سلوك في ما بعد، وكون أن تنظيمات متطرفة غير قادرة على تنفيذ عمليات إرهابية لا يُعني أنها باتت جماعات مستأنسة لا علاقة لها بالعنف؛ فقد نجحت أجهزة الأمن المصرية على مدار العقد الماضي في تفكيك بُنى التنظيمات المتطرفة، حتى أصبحت غير قادرة من الناحية العسكرية على تنفيذ عمليات مسلحة، كما أنها نجحت مع مؤسسات الدولة الدينية والثقافية والتعليمية في تفكيك أفكار هذه التنظيمات.
وهنا يمكن القول إن خطر أفكار هذه التنظيمات يفوق خطر السلوك الإرهابي نفسه؛ وعدم مساواة خطر الفكرة خطأ يؤدي إلى استمرار السلوك الإرهابي؛ هذه الأخطاء وقعت فيها أجهزة أمن واستخبارات كثيرة في منطقتنا العربية، الأفكار هي التي تولّد السلوك، وبالتالي لا بد من مواجهتها مع السلوك وقبله.
قدرة الدولة بأجهزتها في مصر على التنظيمات الدينية لا تعني أن هذه التنظيمات تحوّلت إلى العمل الدعوي مثال “الجماعة الإسلامية”، وهو ما يستوجب رفعها من قوائم الإرهاب الأميركية، وهذا ما يؤكد أن واشنطن لديها تشوش في تعريف معنى الإرهاب والتطرف، كما أن هذه الخطوة تُعني أن أميركا ما زالت تستثمر في جماعات العنف والتطرف في منطقتنا العربية، وتقدم المصلحة السياسية الخاصة على مواجهة خطر الإرهاب الذي يُهدد الأمن والسلم الدوليين.
أعلنت “الجماعة الإسلامية” في مصر مبادرة لوقف العنف من طرف واحد، وهي ما تُعرف بالمبادرة الفكرية والفقهية، ولكن السؤال: هل غيّرت هذه الجماعة أفكارها؟ أم أنها تراجعت ثم عادت إلى مربع العنف مرة ثانية حتى وإن لم يكن جنائياً وأخذ صوراً أخرى؟ الإجابة عن هذين السؤالين تضع أميركا في موضع الاتهام بخصوص خطوتها رفع التنظيم من قوائم الإرهاب.
نشأت “الجماعة الإسلامية” عام 1974، ومنذ بداية النشأة وحتى الإعلان عن تدشين الجناح العسكري للجماعة عام 1987 وهي تستخدم العنف، في بدايتها كانت تستخدم العصا في الاعتداء على المخالفين بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فشرعت إلى تغيير المنكر باليد في أسيوط والمنيا، على سبيل المثال، محافظات الوجة القبلي، التي شهدت ولادة هذه الجماعة، ثم أعلنت تدشين جناح عسكري لها قبل نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ولك أن تتخيل أن التنظيم الذي نتحدث عنه تورط في قتل الرئيس المصري محمد أنور السادات، عام 1981، إذاً فكرة العنف ليست مرتبطة بالإعلان عن ممارسة العنف من عدمة أو نجاحها في تنفيذ عمليات مسلحة، فالتنظيم مارس العنف وقتل رئيس الدولة ونفذ مذبحة مديرية أمن أسيوط قبل أن يُعلن تدشين الجناح العسكري للجماعة.
لم يُطَلّق قادة الجماعة العنف؛ يمكننا القول إنهم انهزموا في المعركة المسلحة مع الدولة والتي بدأوها بقتل الرئيس، هذا إذا اعتبرنا أن فكرة العنف مرتبطة بالخطاب وبالفتوى، التي يترجمها النّاس إلى عنف بدني في ما بعد، والأدل إلى ذلك خطاب “الجماعة” الذي ما زال يجنح إلى العنف ويستجدي هذا المفهوم، والعجيب عندما تصف هذه الجماعة وقادتها بأنهم دعاة عنف ولم يتغيروا ينفون ذلك بشدة ويتعاملون معك بعنف لتبنيك هذا الرأي!
صحيح أن أجهزة الأمن المصرية نجحت في تفكيك التنظيم وفي رعاية مبادرات وقف العنف، التي أعلنت الجماعة من خلالها تصويب خطابها إزاء تبنيها مفاهيم العنف، ولكن هذا لا يعني أنها تخلت بالكامل عن العنف، وصحيح أن الجماعة غيرت استراتيجيتها فباتت أكثر انتقاداً لتنظيمي “قاعدة الجهاد” و”داعش”، وحاولت أن تستدل بذلك إلى عدم وجود علاقة بالعنف، بينما سافر أفرادها وقادتها للقتال مع “القاعدة” و”داعش” و”جبهة النصرة” في سوريا، وقام بعض أتباعها بحرق الكنائس في مصر والاعتداء على ضباط الشرطة في الصعيد على خلفية ثورة 30 حزيران (يونيو) عام 2013.
خيار الجماعة كان واضحاً عام 1997، ولكن هذا لا يعني أنها صححت أفكارها، فكل من رفض أفكار العنف بصدق وحاول أن يُظهر عوار هذه الفكرة ومن يتبناها من التنظيمات الدينية، يكون مصيره ممارسة الجماعة العنف ضده، وهنا نقصد العنف اللفظي والسلوكي ومحاولة التشويه، وإظهاره خان العهد وخرج عن الفكرة الإسلامية، والمثال كان واضحاً في الرجل الأول في التنظيم، كرم زهدي الذي اعتبرته الجماعة بما يحمله من أفكار غير مناسب للمرحلة التي شهدت انفتاحاً بعد عام 2011، وأتت الانتخابات بمن ما زالوا يؤمنون بأفكار العنف داخل التنظيم.
المثال كان واضحاً في الرجل الثاني في التنظيم د. ناجح إبراهيم، نائب رئيس مجلس شورى الجماعة الذي تعامل مع مبادرة وقف العنف بإخلاص شديد، فقد كان مؤمناً وما زال بها، واعتبرها قضيته الأساسية في الحياة بسبب تجربته في الجماعة، فانتقل من مربع التنظيم الضيق حتى وهب نفسه إلى دور أهم وأكثر فائدة وهو محاربة الأفكار المتطرفة التي غزت الجماعات والتنظيمات الدينية عبر الكتابات العميقة واللقاءات المصوّرة، فكان الأكثر انتقاداً لأفكار “الجماعة الإسلامية” التي كان قيادياً فيها ولغيرها من تنظيمات العنف والتطرف، وكان محل استهداف في الوقت نفسه من حرّاس التنظيم الذين ما زالوا يقفون على بابه ويدافعون عن أفكاره المتطرفة.
“الجماعة الإسلامية” نفذت من خلال مجلس شوراها وأمرائها عام 1981 ما أطلق عليه مذبحة أسيوط، حيث دخل المتطرفون مديرية الأمن وقتلوا قرابة 85 ضابطاً وشرطياً، بعدما نجحوا في استهداف رجل الدولة الأول الرئيس محمد أنور السادات، وعندما تم إلقاء القبض عليهم، خطوا بأيديهم دستور العنف، فكتبوا بحث “ميثاق العمل الإسلامي” الذي شرعنوا من خلاله العنف داخل السجن، وتلى ذلك بحث آخر “قتال الطائفة الممتنعة”، وهنا لطيفة يمكن ذكرها، أن هؤلاء كتبوا أدبيات العنف بعدما مارسوه وليس قبل ممارسته، بما يعني أنهم دمويون بطبيعتهم وأضفوا على هذا السلوك المنحرف صبغة دينية في ما بعد، إذ كتبوا بحثوهم الفقهية داخل السجن!
هذه الجماعة شرعنت العنف من داخل السجن، بعدما قتلت الرئيس محمد أنور السادات عام 1981، فقد أنشأت الجناح العسكري عام 1987 ونفذت مئات العمليات الإرهابية ضد الأبرياء والعزل، بما يؤكد دموية من أقبلوا على تنفيذ هذه العمليات، وهنا تحولت الجماعة عن بكرة أبيها إلى قنابل موقوتة تقتل وتنفجر في وجه النّاس، والأمر كان مرتبطاً بالسلوك المنحرف لقادتها الذين غزوا باقي الجماعة به فكانوا الأكثر عنفاً، والذين لم يتخلوا عن هذا العنف، رغم أنهم لم ينفذوا عمليات إرهابية غير التي أشرنا إليها في السابق.
كل ما فعلته الجماعة منذ تفعيل مبادرة وقف العنف ورعاية الدولة وأجهزة الأمن المصرية لها، لم يتعدّ الاعتداء على بعض الكنائس والسفر إلى سوريا والانضمام إلى جماعات العنف والتطرف، وتحريض قادة الجماعة الإسلامية في القاهرة على العنف وتوفيرهم للملاذات الآمنة، يفعلون ذلك ثم يخرجون ويهاجمون “داعش”. معادلة أرادوا أن يسيروا في ركابها حتى يهربوا من استهداف أجهزة الأمن لهم وليس إيماناً منهم بالسلمية التي لا يعرفون عنها سوى اسمها.
الجماعة التي قتلت رئيس مجلس الشعب المصري الأسبق رفعت المحجوب، وكانت تريد أن تستهدف وزير الداخلية آنذاك اللواء عبد الحليم موسى، وعندما سئل أحد قادتها، صفوت عبد الغني، لماذا استهدفت المحجوب فرد بعبارته الشهيرة “كنّا نريد موسى – في إشارة إلى اللواء عبد الحليم موسى وزير الداخلية ـ فأصبنا فرعون”.
هذه الجماعة التي نفّذت مذبحة الأقصر وقتلت السياح الأجانب في البر الغربي في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1997، هي التي ترغب واشنطن في رفعها من قوائم الإرهاب، بدعوى أنها عدّلت سلوكها؛ قد تكون الجماعة قد هذبت سلوك العنف ولكنها لم تُعدله مطلقاً، فما زالت أفكار العنف تسكن في قلوب أصحابها وعقولهم، يهددون بها ويستخدمونها إذا حانت لهم الظروف، وهذا كان واضحاً على مدار العقد المنصرم منذ عام 2011.
لا نحكم على نيات التنظيم ولا على أفكاره، نحن فقط نحكم وفق ما يرتكبه من جرائم، ولذلك أغلب قادتهم وأمرائهم رهن السجن الآن، ولكن ما نود قوله إن العنف يبدأ من الفكرة والسلوك هو ترجمة للأفكار، والخطر دائماً في الأفكار، والمواجهة لا بد من أن تكون للأفكار مع السلوك، والحكم لا بد من أن يكون على الأفكار لأنها هي التي تخلق العنف وليس على السلوك فقط، فهناك من يتوقف عن ممارسة العنف تكتيكاً لسنوات طويلة.
واشنطن تريد رفع “الجماعة الإسلامية” من قوائم العنف حتى يتحرك هؤلاء المتطرفون بأريحية شديدة ويمثلوا أداة ضغط على النظام المصري، فإذا كانت واشنطن ترى أنها جماعة سلمية، فلماذا يقبع قادتها في السجون؟ وهنا تبدو المواجهة التي تريد أن تخلقها واشنطن مع النظام المصري ولكن من خلال هذا التنظيم، المؤشرات نفسها تذهب أيضاً إلى رفع مجلس شورى المجاهدين “أكناف بيت المقدس”؛ وكأن واشنطن تعطي إشارات خبيثة لهذه التنظيمات وغيرها، هذا ما ترجمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عندما قال إن “مصر تواجه الإرهاب نيابة عن العالم”، ليس ذلك فقط، بل تواجه إرهاب العالم نفسه!
* نقلا عن ” النهار”