عن معاداة السامية
إعداد: «منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام»/عرض وترجمة: نضال إبراهيم
كيف نعرّف معاداة السامية في اللحظة الراهنة؟ ما العلاقة بين معاداة السامية والأشكال الأخرى من التعصب والجور؟ كيف استخدمت التهم الخاطئة لمعاداة السامية في كبح وخنق الانتقادات الموجهة للسياسة «الإسرائيلية» وانتهاكاتها ودعم حقوق الإنسان لدى الشعب الفلسطيني؟ يحاول هذا الكتاب عبر مجموعة من المقالات التي أشرفت عليها منظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام» التي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقراً لها، الإجابة عن هذه الأسئلة المحرجة، خاصة لل«إسرائيليين»، ويسعى إلى تكثيف التضامن والنضال من أجل العدالة في العالم.
عندما تدعي ««إسرائيل»» أنها تمثل كل الشعب اليهودي، فإن المدافعين عن السياسة ««الإسرائيلية»» يعيدون تعريف معاداة السامية ليشمل الانتقادات الموجهة لسياسات ««إسرائيل»» وممارساتها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان. ويشير الكتاب الذي بين أيدينا إلى أن معاداة السامية مسألة مضرة وحقيقية في المجتمع الأمريكي والغربي بشكل عام، وأن ما يجب معالجته هو كيف يمكن لنشر التهم الكاذبة بشأن معاداة السامية أو إعادة تعريف معاداة السامية أن تقمع الكفاح التقدمي العالمي من أجل العدالة، خاصة أنه ليس هناك من صوت نهائي واحد بشأن معاداة السامية وتأثيرها في العالم.
توظيف معاداة السامية
جمعت منظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام» مجموعة من المقالات التي تقدّم تنوعاً في وجهات النظر والآراء في كتاب من 288 صفحة من القطع المتوسط صدر حديثاً عن دار «هيماركيت بوكس» باللغة الإنجليزية. وتستكشف كل مساهمة الأسئلة الحرجة المتعلقة باستخدامات وإساءة استخدام معاداة السامية في القرن الحادي والعشرين، مع التركيز على التقاطع بين معاداة السامية، واتهامات معاداة السامية، والنشاط الفلسطيني في مجال حقوق الإنسان، ودعم الحقوق الفلسطينية العادلة.
تقدّم هذه المجموعة المختارة أداة مطلوبة للغاية لنشطاء التضامن الفلسطيني، والأكاديميين والمجتمعات اليهودية غير الصهيونية. وتشمل المساهمات ناشطين وأكاديميين وطلاب وعاملين في المجال الثقافي. وكذلك يتضمن العمل أصوات الطلاب والناشطين الفلسطينيين، واليهود الذين غالباً ما يتمّ تهميشهم في المناقشات الرئيسية بشأن معاداة السامية، من بينهم اليهود الملونين، واليهود السفارديم/ المزراحيين.
ومنظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام» تشكلت في سبتمبر/أيلول 1996، وهي منظمة وطنية شعبية مستوحاة من التقاليد اليهودية للعمل من أجل سلام عادل ودائم وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان والمساواة والقانون الدولي لكل من الشعبين. لديها أكثر من 200 ألف مناصر على الإنترنت، وأكثر من 60 فرعاً محلياً، وجناحاً للشباب، ومجلس الحاخامية، ومجلس الفنانين، والمجلس الاستشاري الأكاديمي، ومجلس استشاري يتكون من كبار المثقفين والفنانين في الولايات المتحدة.
وتقول المنظمة إنها «تسعى إلى إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» من الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية». ويعتبر منتقدو المنظمة أنها تعمل على تقويض الدعم الشعبي ل«إسرائيل». وتعتبر ريبيكا فيلكوميرسن هي المدير التنفيذي وأعضاء المجلس الاستشاري هم توني كوشنر، مايكل راتنر، سارة شولمان، جوديث بتلر، نعوم تشومسكي، نعومي كلاين والاس شون.
أسئلة ومقاربات
مهدت للكتاب جوديث بتلر وهي فيلسوفة أمريكية، لها إسهامات في مجالات الفلسفة النسوية، نظرية النوع، والفلسفة السياسية، والأخلاق. وهي أستاذ في قسم الأدب المقارن والبلاغة في جامعة كاليفورنيا – بركلي، وتقول: «هناك العديد من الطرق لمقاربة معاداة السامية. وعند إجراء أي دراسة لابد من أن تكرس أسئلتها حول فهم معنى معاداة السامية، وما الأشكال التي تتخذها في الوقت الراهن؟ وما هو أفضل الطرق لمعارضتها؟»
وتضيف بتلر: «ربما يتساءل أحدهم لماذا توجد هناك صراعات حول أفضل طريقة لتعريف معاداة السامية، ومحاولة تعيين موقعها وفهم تلك الصراعات في ضوء أهدافها السياسية الأساسية، وربما لا يزال هناك من يقدم مقترحاً حول أن أي تحليل يتعلق بمعاداة السامية يجب أن يكون من الناحية النظرية – والسياسية – مرتبطاً بأشكال أخرى من التمييز العنصري، ومع ذلك ربما يتساءل آخر حول تمثيل ديموغرافية وتاريخ الشعب اليهودي في الجدالات الحالية حول معاداة السامية أو كيف أن تاريخ معاداة السامية تغير في الأماكن والأزمنة المتنوعة. كما لا يزال هناك أيضاً من يتساءل عن الظروف التي تتم فيها صناعة تهم معاداة السامية وفقها، ومن يصنعها، ولأي هدف، وضد من توجّه ولماذا؟، وما هي أفضل طريقة للحكم إذا ما كانت التهمة مبررة؟»
تقول الفيلسوفة الأمريكية جوديث بتلر إنه في عالمنا المعاصر هناك مجموعة كبيرة من الصراعات حول تعريف أشكال معاداة السامية، وتضيف استكمالاً لما سبق ومتحدثة كذلك عن تعريف السامية «كلما حاولنا فتح هذه الأسئلة الفكرية المهمة، نجد أنفسنا مطالبين بشكل ثابت بالاستجابة إلى الأسئلة السياسية والأخلاقية الملحة: هل معاداة السامية خاطئة؟ وهل ينبغي أن يتم اعتراضها في كل أشكالها؟ الجواب الواضح والبسيط هو: نعم. في الوقت الذي يكون فيه مؤكدٌ، القول إنّ الجميع في هذا العمل يوافق على أن معاداة السامية خطأ، ويجب أن يتم اعتراضها، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كان هناك بشكل عام فهمٌ واحدٌ عما يشكل معاداة السامية (من يتصرف، ويمارس، أشكال الخطاب، والمؤسسات) أو ما هي أفضل طريقة لتصوير أفعالها الخاطئة.
وتذكر بتلر أنه «إذا ما استطعنا الوصول إلى تعريف واحد أو على الأقل تعريف صغير لمعاداة السامية، حينها لن نكون قادرين فقط على توضيح ما نعنيه عندما نقول إننا نعترضه، لكننا أيضاً سنكون قادرين على جلب ذلك التعريف للاضطلاع بقضايا محددة لكي نميز، على سبيل المثال، بين الاتهامات المبررة وتلك التي لا يمكن تبريرها».
وتقول في خاتمة مقالها إنه إذا ما أصبحت تهمة معاداة السامية تكتيكاً لقمع الجدل والانتقاد المفتوح لدولة «إسرائيل»، فإن ممارسات «إسرائيل» في سلب السكان الفلسطينيين بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم وقيامها بالاحتلال، وحتى تأسيسها، والعواقب المستمرة لما يعنيه التأسيس للفلسطينيين، سوف يفقدها مطلبها في أي شكل من أشكال الحقيقة. وسيكون مفهوماً للجميع أن الأمر تكتيك وكذب، وتضيف: «من سيؤمن بالتهمة عندما تستخدم لتسمية ومعارضة الأشكال الصاعدة للفاشية أو الإيديولوجيات الفعلية المرتبطة مع سمّيّتها الفعلية؟».
ينبغي علينا ألا نضيع كلماتنا، تلك الكلمات التي نحتاجها لتسمية ومعارضة أشكال الطغيان الصاعد مع أشكال جديدة من القومية والشعبوية. علينا أن نحاول بناء عالم يتم فيه تسمية الظلم وكل أشكال التمييز العنصري فيه، من بينها معاداة السامية، ويتم اعتراضها بالتساوي لكل ما هو غير منصف وغير مقبول. هناك ما يكفي من الكراهية التي تحوم في العالم، ولم يتم تسميتها واعتراضها، بالتالي فلا معنى لشن حرب على وجهات النظر الانتقادية التي يكون تسوية خلافاتها من بين الالتزامات الأساسية للديمقراطية، وفي وقت نحتاج فيه إلى فهم الأشكال المعاصرة للعنصرية، مؤكدة أنه عندما يصبح الصراع ضد معاداة السامية متحالفاً مع كل الصراعات ضد العنصرية، ومن بينها ضد السود وضد العرب، سنكون حتماً على الطريق لبناء عالم لا تزال فيه اللغة تحمل معانٍ، ويمكن فيه تسمية العدل، والشغف الذي يحفز الانتقاد.
صوت من أجل السلام
تشير ريبيكا فيلكومرسون المدير التنفيذي لمنظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام» في مقدمتها إلى أن هذا العمل كتب في ربيع 2016. وقبل أن يتوجه للصحافة، تم انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. وفي الأسابيع التي تعقب انتخابه، تحركت ما أطلق عليها حركة «اليمين البديل» – لكنها حقاً اسم آخر للقومية البيضاء وتفوقها – بسرعة مدهشة من الهامش جداً في سياق الحاضر الأمريكي إلى مركز الحكومة. وبشكل خاص، التعيين المبكر لستيف بانون، الذي كان سابقاً رئيس تحرير شبكة «بربيتبارت نيوز» الإخبارية ذات التوجه اليميني المتطرف، في موقع الاستراتيجي الرئيسي في إدارة ترامب، وهو مؤشر على أن العنصرية، وكراهية النساء، والإسلاموفوبيا للحركة القومية البيضاء تكسب تقرباً إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتذكر فيلكومرسون أن معاداة السامية عقيدة أساسية للحركة، وبالإضافة إلى صعود في الهجمات المادية والأفعال المزعجة الموجهة ضد المسلمين والملونين وغيرهم في بداية الانتخاب، كان هناك أيضاً صعود في الكتابات ذات الأفكار النازية على الجدران عبّرت بشكل علني عن المشاعر المعادية لليهود. إلا أنها ترى أن سياسات الإدارة الأمريكية انحرفت لتخدم شيئاً واحداً وهو: دعم «إسرائيل».
تجد فيلكومرسون أنه بغض النظر عما يحدث لاحقاً، هناك شيء واحد نحن متأكدون منه وهو: مسؤوليتنا جميعاً أن نجدّد مقاومتنا لكل أشكال التعصب والاضطهاد في العالم.
بنية الكتاب
يأتي الكتاب في ثلاثة أقسام بعد التمهيد والمقدمة وهو على الشكل التالي: القسم الأول تحت عنوان «تواريخ ونظريات معاداة السامية»، ويحتوي على الفصول التالية: «إعادة تعريف معاداة السامية: الرواية الوطنية المتخيلة ل«إسرائيل» عن التهديد الخارجي الذي لا نهاية له» بقلم أنتوني ليرمان، و«النشاط الفلسطيني ومعاداة السامية المسيحية في الكنيسة» بقلم والت ديفيس، «حياة السود والفلسطينيين مهمة: أمريكا السوداء واليهودية في القرن الحادي والعشرين» بقلم تشاندا بريسكود- وينشتاين، و«تقاطعات معاداة السامية والعنصرية والقومية: منظور سفارديمي/ مزراحي» بقلم إليز بنشوشان كوهين، و«عن معاداة السامية واستخداماتها» بقلم شاؤول ماجيد، و«معاداة السامية، فلسطين، والقضية المزراحية» بقلم تالي بن دانيال.
أما القسم الثاني فيأتي تحت عنوان «مواجهة معاداة السامية والإسلاموفوبيا»، ويحتوي على فصول هي: «ترامب، اليمين البديل، معاداة السامية، والصهيونية» بقلم آرثر غولدواغ، و«تحرّرنا متشابك»: وهي مقابلة مع ليندا صرصور، «تركيز عملنا على تحدي الإسلاموفوبيا» بقلم دونا نيفيل، و«من أنا لأتحدث؟ بقلم أورورا ليفينس موراليس، و«روايات تحت السيطرة» بقلم ريف غرايلان هاجلر، و«نحن هنا لأنك كنت هناك: الدفاع عن حقوق اللاجئ» و«معاداة السامية» بقلم راشيل إيدا بوف، «معاداة السامية الأوروبية: هل تحدث مرة أخرى؟» بقلم الحاخام برانت روزن.
وتحت عنوان: «محاربة الاتهامات الكاذبة عن معاداة السامية» يأتي القسم الثالث ثم يتفرع إلى فصول هي: درجتان للفصل: «إسرائيل»، ضحاياها الفلسطينيون، واستخدام «معاداة السامية بطريقة احتيالية» بقلم عمر البرغوثي، و«سيف ذو حدين: النشاط الفلسطيني ومعاداة السامية في حرم الكليات الجامعية» بقلم كيلسي واكسمان، و«هذا الحرم الجامعي سوف يسلب: شبح معاداة السامية وخنق المعارضة في حرم الكليات الجامعية» بقلم بن لوربر، و«معاداة السامية في الحرم الجامعي للكليات الأمريكية في عصر التعليم المؤسسي، وسياسة الهوية، والسلطة العمياء» بقلم أوريان زاكاي، «إحباط ومراقبة النشاط الفلسطيني في الولايات المتحدة» بقلم ديما الخالدي.
وينتهي الكتاب بخاتمتين الأولى بعنوان «دع الساميين ينهون العالم! حول المقاومة الاستعمارية والتضامن والصراع المتعدد» بقلم الكسندر عباسي، والثانية بعنوان «البناء نحو العالم التالي» بقلم الحاخام أليسا وايز، ثم ملحقين عن تعريف معاداة السامية.