غيوم سياسية وأمطار قادمة
د. مصطفى الفقي
الذي يتابع مجريات الأحداث في الأيام الأخيرة لابد أن يشعر بالقلق وتتملكه حالة من الترقب لما هو قادم، إذ إن هناك أمورًا لم تكن متوقعة قد جرت ولم يعد بالإمكان إعمال الحدس السياسي والتنبؤ بما هو قادم أو ما يمكن أن يحدث، لأن الأوضاع القلقة تحرم أدق المحللين السياسيين من تقديم التوقعات السليمة أو التنبؤات الصائبة، إذ إن ما جرى في منطقة الخليج خلال الأشهر الأخيرة يبدو أمراً غير مسبوق بدءاً من الشقاق الذي أصاب مجلس التعاون الخليجي مروراً بمحاولات العبث الإيراني في المنطقة فضلاً عن شطحات (إردوغان) وكيدية (قطر) ودخول موضوع سد النهضة في منعطف يختلف عما عرفناه في الأعوام القليلة الماضية.
إذ يبدو أن مرحلة التدليس والاستغراق في العبارات الودية والتصريحات المسطحة قد انتهى وقتها وأصبحنا أمام وضع جديد يقودنا إلى مرحلة مختلفة في مواجهة ذلك التحدي الكبير الذي تواجهه المنطقة بأسرها، إننا نرى الغيوم الداكنة تتحرك نحو هذه المنطقة من العالم بصورة توحي بأن الأحداث الجسام لم تأت بعد وأن علينا أن نتهيأ للسيناريو الأسوأ، فالأجواء مشحونة والعواصم متوترة والثقة مفقودة، وما لم يكن ممكنا من قبل أصبح حقيقة في الواقع، كما أن كثيراً من المسلمات قد سقطت وأضحى الشرق الأوسط – من غرب آسيا إلى شمال إفريقيا – فوق فوهة بركان في وقت تغيرت فيه السياسة الأمريكية وأضحى الغرب مشاهداً سلبياً لما يدور، وانصرفت الجهود عن محاربة الإرهاب إلى حرب من نوع مختلف تختلط فيها الأوراق، ولا يكاد المرء يدرك كيف تمضي بنا تلك السياسات المنفردة والمواقف الحدية، ولعل تعليقنا ينصرف إلى النقاط التالية:
أولًا: إن ماحدث في السعودية قد يكون طريقًا إلى الحداثة ومواكبة روح العصر فضلًا عن أن إعادة ترتيب أوضاع البيت السعودي من الداخل سوف تؤثر في الجزيرة والخليج والمنطقة بأسرها .
ثانيًا: إنني من المؤمنين بأن (الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وأزعم أن الحديث عن (خير أمة أخرجت للناس) لا ينطبق على أحوالنا الراهنة، فقد تقطعت أوصال الأمة وتمزقت أواصر العروبة وأصبحت دولة قطر – على سبيل المثال – تزهو بتصرفات كيدية ضد الشعب المصري من خلال دعم الحكومة الإثيوبية في مشروع سد النهضة حتى ولو كان دعماً سياسياً وإعلامياً إلا أنه يعني أن برقع الحياء قد سقط وأن ورقة التوت قد اختفت إلى غير رجعة.وأنا شخصيًا لا أرى تفسيرًا لما يجري غير قصور النظرة وغياب الرؤية وانعدام القدرة على قراءة الأحداث قراءة صحيحة مع وجود أجواء ضبابية تغلف الفضاء الذي يحيط بنا وتسمح بأن يرانا العالم كما لا نرى أنفسنا.
ثالثا: إن الهيمنة الإيرانية يجب النظر إليها من منظور استراتيجي وقومي وليس من منظور إعلامي أو ديني، فالدولة الفارسية قد بسطت هيمنتها على العراق وأصبحت فاعلاً أساسياً في سوريا ورقماً صعباً في المعادلة اللبنانية ودوراً خبيثاً في اليمن إلى جانب أصابع في معظم دول الخليج الذي تنكر طهران عروبته وتتمسك بفارسيته. ويكفي أن نقول هنا إن النفوذ الإيراني قد توسع في العقود الثلاثة الأخيرة أكثر مما توسع في ثلاثمئة عام قبلها، كما أن «إسرائيل» ترقب الموقف عن كثب وتحصد نتائج ما يجري وهي تدرك أنها تتحصن يوماً بعد يوم في ظل سياسة أمريكية بل وغربية عموماً.
رابعًا: دعنا نتلمس الحقيقة في (واشنطن)،حيث هناك إدارة أمريكية من نوع خاص لا تخلو سياستها من ارتباك وهو أمر يقلق العالم بأسره ولا يتوقف تأثيره على الشعب الأمريكي وحده، خصوصاً أن السياسة الأمريكية تؤثر إلى حد كبير في سياسات الدول الأخرى لا في الغرب فقط ولكن أيضاً في مختلف المناطق بدءاً من كوريا الشمالية وصولاً إلى غرب القارة الإفريقية. ولا شك في أن النوايا غير طيبة والأطماع متأصلة والنفوس مشحونة بالرغبة في الحصول على ثروات الغير والاستئثار بمقدرات الشعوب المختلفة خصوصاً تلك المغلوبة على أمرها، المقهورة في أرضها، المعطلة إرادتها.
خامسا: إن مصر تقف أمام ما يجري في صمود عبقري، برغم كل أسباب المعاناة ومظاهر التردي لأنها تعتمد على إدارة قديمة لدولة عميقة وجيش نظامي شريف تصد به موجات الإرهاب الذي يستهدفها كما لم يحدث لها من قبل عبر تاريخها الطويل.
هذه نظرة استكشافية لمن يتطلع إلى السحب المحملة بالأمطار الغزيرة لعلها تغسل الضمائر وتجلي القلوب وتفتح العقول قبل فوات الأوان!