فاجعة مصر
صادق ناشر
فجعت مصر ومعها العرب والمسلمون كافة، بالحادثة الإرهابية البشعة التي استهدفت مسجد أبو جرير بالروضة، غربي العريش في سيناء، وراح ضحيتها 305 شهداء كانوا يؤدون صلاتهم في يوم جمعة، لم يراع فيها القتلة روحية اليوم ولا قدسية المكان، فالشهداء الذين سقطوا كانوا أطفالاً ونساء وأسراً بأكملها ذنبهم الوحيد أنهم كانوا يؤدون عبادتهم في بيت من بيوت الله.
لم يكن هجوم الجمعة الأول الذي يستهدف مصر، وبالطبع لن يكون الأخير، نظراً للطبيعة الإجرامية التي يتعامل بها الإرهابيون مع الأوضاع في مصر وخارجها، لكنه الأول الذي يحصد مثل هذا العدد من الأبرياء، والأول من نوعه الذي يستهدف مسجداً، بعد أن كان الإرهابيون يهاجمون المراكز الأمنية ودور العبادة الأخرى، كما حدث في عملية استهداف كنائس في القاهرة وخارجها.
من الواضح أن المخاطر التي تواجه مصر في المرحلة الحالية ليست هينة، والخوف هو في دخولها مرحلة استنزاف في الحرب الجارية مع التنظيمات المتطرفة، فهذه التنظيمات اعتادت على حرب طويلة الأمد مع الأنظمة هدفها إدخالها في دوامة من الأزمات تؤثر بدرجة رئيسية في أداء وظائفها الأساسية، وأبرزها تأمين لقمة العيش الكريم لمواطنيها، إضافة إلى تحقيق الأمن في البلاد.
مصر تواجه أوضاعاً معقدة، فالحرب من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية لقطاع واسع من الشعب، لا تقل أهمية وشراسة عن الحرب ضد الإرهاب، وهي لا تريد أن تفرط في الجبهتين، حتى لا يكون هناك تأثير في جبهة على حساب أخرى.
تبدو الحرب ضد الجماعات الإرهابية شاقة ومكلفة، بخاصة في شبه جزيرة سيناء، التي يراد لها أن تتحول إلى مرتع لهذه الجماعات، وقد وجدت التنظيمات المتطرفة التي هزمت في سوريا والعراق نفسها أمام مهمة توزيع جهدها خارج مناطق النفوذ التي كانت تتواجد فيها، وبالتالي فإن حضور هذه الجماعات في مصر وليبيا واليمن، لن يقل خطراً عن وجودها السابق في كل من العراق وسوريا، خاصة أن المئات من مقاتلي «داعش» تمكنوا من الفرار إلى خارج البلدين في إطار صفقات أو بفعل تواطؤ بعض الأطراف الدولية، التي ترغب في استمرار نزيف العرب والمسلمين.
المواجهة الكبرى اليوم لا يجب أن تكون فقط مع التنظيمات الإرهابية في الميدان، بل ومع الفكر الذي تحمله ويشكل للمنتمين إليها مصدراً ودافعاً لارتكاب المزيد من العمليات الإرهابية، خاصة أن الساحات العربية كلها مرشحة للاستهداف، وستكون مصر في قلب هذا الاستهداف خلال المرحلة المقبلة نظراً للمكانة الكبيرة التي تحتلها في الوطن العربي وتأثيرها في الأحداث في المنطقة بأكملها، فضلاً عن الدور المحوري لها في القارة الإفريقية وقدرتها على إطفاء الحرائق في بلدان مجاورة لها، أبرزها ليبيا، التي تحولت في الفترة الأخيرة إلى ساحة من الفوضى بفعل الصراع الدائر فيها بين الأطراف والفصائل المختلفة منذ سقوط نظام معمر القذافي.
الإرهاب لن يترك مصر، وبالتالي على مصر ألا تترك الإرهاب يدمرها ويجرها إلى مواجهة طويلة، وقد حان الوقت لمواجهة شاملة تقتلع الإرهاب وأدواته المختلفة في الداخل والخارج من جذوره.
sadeqnasher8@gmail.com