فحص الشباب العربيّ نفسيّاً
عبد اللطيف الزبيدي
إذا كان لعلم النفس الاجتماعيّ وزن في العالم العربيّ، فهل يمكن طرح الوضع النفسيّ لدى الشباب كقضية سياسية تتعلق عضوياً بالأمن القومي؟ مجرد أمنية: هل يمكن أن يطّلع العرب على البحوث والدراسات التي أنجزت في هذا المجال، إن كان المبحث قد شغل أذهان أهل الاختصاص أصلاً؟ أغلب الظن أن هذا الموضوع، على أهميته القصوى، لم يكن يوماً على جداول الأعمال التي تخص الأمن القوميّ في البلدان العربية.
النظرة المألوفة التبسيطية، التي جرت عليها الأنظمة، هي: وضع المتطرفين وذوي النزعات المتشنّجة، والميول المتوتّرة أو الموتورة، تحت المجهر، وهو موقف الطبيب من البكتيريا الضارة والجراثيم والفيروسات، إذ يكتب فوراً وصفة المضادّات الحيويّة. أمّا النظرة التي تتجاهلها السياسات غير المتعمقة في القضايا الاجتماعية وآثارها في الأمن القوميّ، فهي: كيف نحول دون تدهور الحالة النفسية لدى الشباب؟ كيف نجعله يشعر ببهجة الحياة، فيسخّر كل طاقاته للبناء والعطاء والإبداع؟ هذه النظرة هي الأخرى صحّيّة طبيّة، ولكن في مستوى أرقى، فهي تأخذ في الاعتبار أن التغذية السليمة والرياضة البدنية، والنشاط الذهنيّ الإيجابيّ، والوضع النفسي المتوازن، تصنع الإنسان السويّ في المحيط السليم.
أليس على السياسة أن تأخذ دورات مكثفة منتظمة في الطب الاجتماعيّ، خصوصاً الأمراض «الجسدينفسية»؟ اختلال نفسية الشباب ينعكس سلباً على المجتمع، واضطراب الأوضاع الاجتماعية يحرف الطاقة العنفوانية عن الجادة الإيجابية، فتصبح آلة سلبية لكيلا نقول تخريبية. أليس من الضروريّ أن يخرج كل نظام سياسيّ من جلبات النظرة الضيقة إلى أبعاد القوميّ، وحصرها في وزارتي الدفاع والداخليّة، ويلقي نظرة على أكثر من مئتي مليون من الفتيات والفتيان، نفوسهم كسيرة وطاقاتهم معطلة، يعانون التشرذم والتهميش في الداخل، أو الهجرة والتشرد في الخارج؟ هذه حقيقة في جلّ البلدان العربية، فأين تهربون؟ من دون شك يعدّ إهمال الدراسة الجدية لهذه القضية، عدم فهم سليم للأمن القوميّ. البرهان أوضح من الشمس: كيف استطاعت المخططات الجهنمية تجنيد مئات الألوف، وتحويلهم إلى بلدوزرات تدميرية، بلمسة سحرية من الفوضى الخلاقة؟ صار العالم العربيّ مثل السمكة الدسمة بالدهون: «منها فيها، زيتها يقليها». الخراب مضاعف: تحرمهم الخطة من بناء أوطانهم، وتجعلهم مرتزقة لهدمها. حمى الله الشباب العربيّ من تهويل قضيّته، غير أنه من اللزوم الأقصى، العكوف على خطورة الغفلة عن قضاياه.
لزوم ما يلزم: النتيجة الشبابية: إذا كان الشباب هو المستقبل المؤمّل، فهل ينبغي للعرب أن ينتظروا غداً مشرقاً ممّن لا يعرف في حاضره البسمة؟
abuzzabaed@gmail.com