فخر واعتزاز وفرح وسعادة
رسالتي إلى أبني حمد مهنئاً بنجاحه في الثانوية العامة والى كل الناجحين
محمد سعيد القبيسي
كانت سعادتي غامرة حين بلغني نبأ نجاح إبني حمد بالثانوية العامة، وتجلجلت في رأسي أفكار وأفكار أتطلع فيها إلى مستقبله ولكني ما إن عدت من فرحتي وأصغيت إلى نداء التفكير العقلي أحببت أن أكون أباً لكل الناجحين لأقول لهم ما أردت أن اقوله لأبني، وأستهل هذه الكلمات بالتعبير عن مدى فخري، بل وفخر أهلكم وبلدنا الحبيب بكم، خصوصاً ولاة أمورنا وحكامنا الأفاضل حفظهم الله وسدد خطاهم.
نحن اليوم فخورون بكم لأنكم عبرتم طريق النجاح، حتى وصلتم إلى أولى محطاته بتخرجكم اليوم من الثانوية، واليوم أنتم أقوى بكثير مما كنتم عليه بالأمس، فقد صرتم تملكون المعرفة والقدرة على تحويل المستحيل إلى ممكن.
من الآن فصاعداً، أمامكم تحديات كبيرة، عليكم أن تتخطوها بعزيمة وإصرار، حتى يحقق كل واحد منكم أحلامه التي رسمها لنفسه، وأريدكم أن تعرفوا شيئاً بالغ الأهمية؛ وهو أنكم وصلتم إلى هذه المرحلة من العلم بفضل جهودكم وجهود كل من ساهم في تعليمكم ودعمكم، وأمامكم مراحل لاحقة أنا واثق أنكم ستتخطونها وصولاً إلى أعلى مراتب التميز والإبداع.
لقد بلغتم محطة النجاح هذه، وأنتم تعيشون تحت سقف وطن معطاء ضمن لكم الاستقرار والسلامة والأمن وكل سبل الراحة والتقدم، فبادلوا العطاء بعطاء أكبر، فأنتم والوطن واحد، كل هذا بفضل من المولى عز وجل، ثم بفضل رجل عظيم هو الشيخ زايد (طيب الله ثراه) الذي وضع أسس التنمية والتطوير، ليكمل مسيرته الشيخ خليفة (رحمه الله)؛ واليوم نسيرعلى النهج القويم والمسيرة المباركة بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الذي أخذ على عاتقه مهمة تسخير كل الإمكانيات والسبل حتى تبلغوا أنتم شباب الوطن هذه المرحلة المفصلية، وتتابعوا تقدمكم نحو مستقبل أفضل.
لطالما أولى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الشباب اهتماماً كبيراً، لأنه يؤمن بأنكم الأمل والمستقبل، ويطمح لرؤيتكم في أعلى مكانة لخدمة هذا البلد الجميل؛ أدامه الله لنا قائداً ومعلماً نفديه بأرواحنا، وحفظ بلادنا وشعبها وكل مقيم على أرضها الطيبة، ولا ننسى أيضاً أن سموه يوصينا دائما ببر الوالدين وحسن معاملة كبار السن، لأنهم أصحاب فضل على كل فرد فينا، والعامل الرئيسي في نجاحنا، كما يحثنا دوماً على فعل الخير والإحسان إلى الناس جميعاً بصرف النظر عن مشاربهم ومنابتهم.
أبناؤنا وبناتنا الأعزاء، الآن أنتم قدوة المجتمع، وجاء دوركم لبناء مستقبل مشرق، مسلحين بالعلم والدين والقيم النبيلة وعادات الوطن وتقاليده العريقة. فكونوا مثالاً يحتذى في المعرفة والأخلاق والأصالة.
الخدمة الوطنية
الان أمامكم مرحلة مهمة في حياتكم وهي خدمة الوطن، وخدمة الوطن جزء لا يتجزأ من رحلة النجاح، ومرحلة مهمة لتطوير شخصيتك وتحسين قدرتك على الانضباط والعمل الجماعي، إلى جانب تعزيز نقاط قوتك، وإكسابك المعرفة والأدوات اللازمة لأداء واجباتك كمواطن مسؤول عن حماية بلده، والدفاع عن وطنه، والارتقاء بمجتمعه.
إن قرار قيادة بلدنا الرشيدة بتطوير برنامج الخدمة الوطنية، هو تتويج للجهود الحثيثة خلال السنوات الماضية، وانعكاس للقراءات المستمرة لتجارب بلدان عدة، وتجسيد للدروس المستفادة من تجربة الشعوب الأخرى. حيث تم تحديث برنامج الخدمة الوطنية، بإدراج موضوعات جديدة، وتكثيف التمارين العملية، وزيادة الواقعية في التدريب. كل ذلك سيسهم دون شك في تعزيز ثقتك بنفسك، وإكسابك المهارات الضرورية لأداء المهام والواجبات المنوطة بك بكفاءة وجدارة.
الخدمة الوطنية واجب وطني وديني. فحب الوطن غريزة فطرية، وتراثنا القديم والحديث زاخر بحب الوطن والتضحية في سبيله. يقول رسول الله ﷺ: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله». فأخلص الحب لله وللوطن، وكن مواطناً صالحاً ينهض بمجتمعه، وجندياً باسلاً في خدمة بلدنا الحبيب والناس كافة.
التخصص الجامعي
يعد انتهاء ادائكم للخدمة الوطنية ستأتيكم مرحلة الدراسة الجامعية، الآن أنتم أمام مفترق طرق، حيث يتوجب على كل واحد منكم اختيار التخصص الجامعي المناسب. فكيف تختار؟ وماذا تختار؟
أولاً: حبذا لو تختار تخصصاً جامعياً في مجال يستهويك، حتى لا تقع في دائرة إضاعة الوقت في التنقل بين التخصصات. فالشغف فيما تدرسه وقود النجاح ومحبة ما تتعلمه أساس كل إبداع.
ثانياً: حاول عند اختيار تخصص تحبه أن تراعي ضرورة أن يكون مطلوباً في سوق العمل حتى تحظى بفرص وظيفية أكبر بعد التخرج، واختر إحدى الكليات الرائدة في المجال الذي تريده لتحصل على معرفة أكاديمية معمّقة وشهادة معتبرة.
ثالثاً: أنصحك بأن توازن بين دراستك الجامعية وحياتك الشخصية. فلا تعكف على الدراسة بشكل مفرط فتحرم نفسك من ممارسة هواياتك المحببة، وترهق عقلك وجسدك، وتعطل حياتك الاجتماعية والأسرية.
في الوقت نفسه لا تنغمس في الملهيات والمشتتات على حساب دراستك، حتى لا تندم لاحقاً كما يحدث مع بعض الطلاب ممن يتخرجون بمعدلات متدنية أو يتأخر تخرجهم نتيجة الإهمال الدراسي أو المبالغة في الدراسة إلى حد استنزاف طاقاتهم. أعطِ كل جانب من حياتك حقه، تحقق نجاحاً وتفوقاً على كافة الأصعدة.
أحلامكم مسؤوليتكم
– الوطن كان وسيبقى الداعم الأول لرحلتكم نحو النجاح، لكن على كل واحد فيكم أن يدرك بأن أحلامه مسؤوليته بالدرجة الأولى، وهذه المسؤولية تتطلب التزاماً وإخلاصاً وصبراً.
يقول مثل شهير: «حتى تحصل على شيء لم يكن لديك من قبل، عليك أن تفعل شيئاً لم تفعله من قبل». لكل منكم الآن أهداف مستقبلية، ولتحقيق هذه الأهداف يجب أن تكونوا على استعداد للتضحية في سبيلها، وبذل الغالي والرخيص من أجلها.
أريدكم أن تتذكروا أمراً مهماً للغاية؛ ألا وهو أن الإخفاق جزء من الرحلة. كل خريج اليوم لديه المعرفة والموهبة لتحقيق النجاح، لكن هل تملك الشجاعة للفشل؟ دعني أخبرك شيئاً من واقع حياة الناجحين؛ وهو أنك إن لم تفشل، فأنت لم تحاول.
لا تخشَ التعثر على طريق النجاح، بل خاطر في سبيل أحلامك، وتعلم من تجاربك، وانهض من بعد السقوط لتواصل مشوارك حتى النهاية. فلم ينجح إنسان على مر التاريخ قط إلا بالصبر والإصرار على بلوغ الهدف والمخاطرة في سبيل أحلامه.
عاداتكم وقيمكم وأخلاقكم
لا بد للإنسان من التحلي بالأخلاق الحميدة، والحفاظ على قيمه وعاداته وتقاليده. فمن تحكمه القيم وتسيّره المبادئ، ويدرك قيمة معدنه وأصله؛ يصل إلى أعلى مراتب النجاح والتفوق والإبداع.
ابتعدوا عما يخالف الفطرة السليمة؛ فالرجل رجل والمرأة مرأة. أما دور الرجل الرئيسي، فيتمثل في كونه مسؤولاً عن تلبية احتياجات عائلته، ومصدر الأمان والقدوة والناصح والسند في الشدائد. بينما دور المرأة الأساسي يتمثل في تربية الأطفال، وتنشئتهم تنشئة صالحة، ليكونوا مواطنين صالحين. وهذا الدور العظيم لا يقل أهمية عن دور الرجل إطلاقاً، بل هو أساس بناء أجيال المستقبل.
إن المجتمع لا يكتمل، والحضارة لا تزدهر إلا بجهود المرأة والرجل، حيث لا يوجد جنس وسط بينهما، وخير دليل هو كتاب الله تعالى الذي بيّن أن المولى عز وجل خلق الإنسان ذكراً وأنثى. فكونوا على ثقة تامة أنه ليس بوسع أحد التلاعب بعقولكم ومشاعركم، ما دمتم تتخذون كتاب الله مرجعاً، والعقل النيّر مرشداً.
عند السفر إلى الخارج
لا شيء أجمل من أن تكون تجسيداً لعراقة مجتمعك أينما كنت. فحين تسافر إلى الخارج، احرص أن تكون مواطناً صالحاً، وخير سفير لبلادك، من خلال التزام قوانين البلد الذي تزوره، واحترام عادات شعبه وتقاليده.
عرّف بإنجازات وطنك، وما يقدمه من مساعدات إنسانية لكافة الشعوب في شتى المجالات على اختلاف أديانهم وألوانهم وأعراقهم؛ فلقد تعلمنا أن الأصل هو الإنسان كيفما كان وأينما كان دون أدنى تمييز.
كن مثال الإنسان المثقف الواعي، وانقل صورة مشرقة عن بلدك عبر أقوالك وسلوكياتك حيثما تسافر؛ فلا شيء يرسخ في الذاكرة ويلامس الوجدان أكثر من الألفاظ الراقية والتصرفات النبيلة.
أوصيكم
أول شيء أوصيكم به:
هو طاعة ولاة الأمر؛ رئيس الدولة وحكام الإمارات، فقد أمر الله تعالى بطاعتهم في قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ».
لا بد أنكم شهدتم أشخاصاً ينشرون أفكاراً مسمومة، فلا تسمحوا لهم بالتأثير فيكم، لأن غايتهم نشر الفوضى وإحداث الدمار. انظروا ما حدث من خراب في بلدان كثيرة بسبب الخروج على ولاة الأمر، وتعلموا من أخطاء الشعوب الأخرى، واحذروا أصحاب الأجندات الخبيثة، وحافظوا على بلدكم ودافعوا عنه، واحرصوا على طاعة ولي الأمر، فالولاء له فرض ديني وواجب وطني.
– ثاني شيء أوصيكم به:
هو التمسك بدينكم، والحرص على أداء صلواتكم، والتقرب من الله تعالى وطاعته، كونوا قدوة للآخرين بأخلاقكم العالية، وحبكم لفعل الخير، وشغفكم بالمعرفة، واجعلوا أفعالكم تسبق كلماتكم، فهذا دَيْدَنُ المؤمن الحقيقي والمواطن الصالح.
– ثالث شيء أوصيكم به:
هو التزام القوانين في كل شيء، لأنها سُنّت لتحافظ على أمنكم وأمن المجتمع، وأخص هنا الشباب في موضوع السرعة، فكم يحزننا فقد شاب بسبب تجاوز السرعة في قيادة سيارة أو دراجة أو حتى ممارسة رياضة خطرة، فتقيدوا دوماً بقوانين السير، وتشريعات الدولة في كل شيء؛ فلم توضع جزافاً بل من أجل سلامتكم وسلامة الآخرين.
وأخيراً أقول…
كان لي شرف التعبير عن عميق فخري واعتزازي بالنجاح الذي حققه كل واحد فيكم، كونوا مواطنين صالحين، وانقلوا صورة إيجابية عن بلدكم الحبيب الذي لم يبخل عليكم بأي شيء، ولا تعملوا من أجل أنفسكم فحسب، بل اعملوا من أجل مجتمعكم وخير البشرية جمعاء.
وطننا الغالي بحاجة إلى مواهبكم الواعدة، بل العالم كله بحاجة إليكم لجعله مكاناً أفضل للعيش، من خلال مساعدة الفقراء أينما كانوا، ومد يد العون لكل محتاج، والارتقاء بالعلم والمعرفة والقيم السامية.
فكونوا على قدر المسؤولية والتوقعات، وسيروا دوماً على نهج شيوخنا الأفاضل في التنمية والتطوير والعمل الإنساني، وآمنوا بقدرتكم على صناعة النجاح، وتحويل المستحيل إلى ممكن، فأنتم بناة المستقبل وقادة الغد.
وفقكم الله وحفظكم