فراديس مفقودة
خيري منصور
يوم رحل الزعيم عبدالناصر كان الشاعر أحمد فؤاد نجم في السجن لأسباب سياسية، وحين زارته أمه كانت تخشى من شماتة ابنها بموت الزعيم الذي سجنه؛ لكنها فوجئت كما يقول الشاعر نجم بأن السجناء يومئذ ومنهم ابنها قد تفوقوا على جراحهم الذاتية، وأبدوا حزنهم على الرحيل، ويضيف الشاعر نجم أن أمه وهي سيدة أمية من إحدى قرى مصر قالت له: لقد سقط يا ولدي عمود الخيمة، وهي أيضاً تفوقت على ألمها الخاص وجرحها الناجم عن سجن ولدها لتقرأ الحدث بما يليق به من شمول وجدية وخشية من المستقبل الغامض!
كان عرب ما قبل حروب الطوائف والارتهانات الأيديولوجية لديهم من القدرة على تجاوز الذاتي والشخصي لصالح الوطني والعام، ما يحصنهم ضد الشماتة والثأرية.
وما كتبوه شعراً ونثراً عن الجزائر في حرب استقلالها، وعن فلسطين قبل أن يعيدها أوسلو إلى مساحتها الجغرافية لم يكتبوا واحداً بالألف منه عن عشرات الملايين من المشردين العرب في كل القارات، وعن عواصم تحولت إلى أطلال ودول تبعثرت أحشاء مؤسساتها ومتاحفها ومعابدها على الأرصفة.
كان العربي شديد الحساسية والانفعال إزاء أي حدث في أية بقعة من التضاريس التاريخية الممتدة بين محيط وخليج، وبين الوريد والوريد، فما الذي جرى بعد ذلك؟ عندما أصبحت نشرات الأخبار على كل الشاشات ترشح دماً، والقتلى بالمئات.
فما الذي حجب كل الاستغاثات سواء أطلقت من رجال ونساء أو من أطفال رضع؟
هل هو الصمم القومي الذي بدأ من خلال إصابات متفرقة ثم حولته العدوى إلى وباء؟
أم أن الموت أصبح مجانياً ودخل إلى قائمة المألوف اليومي!
إنها مجرد أسئلة تفرض نفسها علينا ونحن نتصفح كتباً ومجلات وصحفاً صدرت في زمن أصبح فردوساً مفقوداً