فضائيات شبحية

خيري منصور
بدأت الحكاية مع بضع قنوات فضائية تبث ثقافة قروسطية مضادة لكل ما أنجزت البشرية من حضارة وتنوير، ثم بدأ عددها يتضاعف وتتعدد مصادر تمويلها؛ بحيث بلغت المئات وليس العشرات فقط كما يقال!
إنها حرب فضاء من طراز آخر سلاحها الكلام. ومعاركها دونكيشوتية؛ لكن المناخات التي تسعى إلى بثها مشبعة بكل ما ليس له صلة بالمنطق، وتحتل فيها الخرافات مساحة تكفي لأن يمتلئ الفضاء بالأشباح وسبب تناسلها على هذا النحو الأميبي هو الصمت واللامبالاة وأحياناً التواطؤ مدفوع الثمن.
وقد سعت منذ بواكيرها إلى تغيير الحكمة القائلة «من جد وجد» إلى «من هد وجد!»؛ لكن ما الذي يمكن أن توجده ثقافة تلوي عنق التاريخ كي يعود إلى الوراء!
إنها تساهم بشكل أو بآخر بتسميم ذائقة أجيال غير ملقحة ضد فيروساتها!
واستمرارها على هذه الوتيرة السوداء سوف تكون له في المدى غير المشهود آثار كارثية وليست جانبية، خصوصاً وأنها تعمل على مدار الساعة في مجتمعات تعاني الأمية، وليس لديها من المناعة الفكرية ما يحصّنها!
وهذه ليست المرة الوحيدة التي توظف فيها التكنولوجيا لصالح التخلف وتكريس مفاهيم أفقدها التاريخ صلاحيتها؛ لكن الدور الذي تمارسه القنوات الشبحية هو الأشد خطورة؛ لأنها تدس السم في الدسم، وتتلاعب بمرجعيات عقائدية وفكرية؛ بحيث يجري تأويلها تبعاً للنوايا وبالتالي خداع الناس ولو بعض الوقت!
بالطبع لهذه القنوات مضادات تنطلق من رؤى ومفاهيم تنويرية؛ لكن العطّار قد لا يصلح ما أفسده الظلام وليس الدهر كما يقال!
ومما يمكن رصده في هذا السياق هو أن معظم تلك القنوات تخلو من الإعلانات بما يجزم أن هناك تمويلاً سخياً لها، ومن حق الأطباء والعلماء والأدباء والمؤرخين أن يتصدوا لها حتى بالقوانين؛ لأنها تعتدي وتفتري على تخصصاتهم، وتقدم معلومات خاطئة وتحاول تبريرها بإعادتها إلى مرجعيات دينية هي منها براء!