مقالات عامة

في مجانبة المنطق والانضباط

عبد اللطيف الزبيدي

ما هي تداعيات تأهيل الدماغ لعدم قبول المنطق والانضباط؟ عندما يتربى الذهن على أن كسر القواعد هو القاعدة، يصبح المنطق غير منطقي، والانضباط تسيباً، ينطبق القول: «وأول النار في مستصغر الشرر». هذه أمثلة من الحساب والموسيقى واللغة، نقول بعدها: «وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟».
جل محللينا السياسيين يعزون الفوضى في العالم العربي، وعدم قدرته على اللحاق بالبلدان المتقدمة، إلى التدخلات الخارجية فقط. المشكلة كامنة في عمق التربية التي أهملت تأهيل الدماغ للأداء المنطقي العلمي المنضبط في التزام القواعد. المعضلة في اعوجاج العود لا في عدم استقامة الظل.
منذ الابتدائية ينشأ الدماغ على ركل الترتيب في الحساب. 128 هي عنده في البيت والمدرسة والمجتمع والإعلام الناطق هي: مئة وثمانية وعشرون. المئات ثم الآحاد وأخيراً العشرات. لا توجد أمة في العالم تنتهك حرمة النظام هكذا. لو قال عربي: مئة وعشرون وثمانية لقهقه الناس، ولو قال ثمانية وعشرون ومئة لسخروا من «دقة قديمة» تجاوزها الزمن! الترتيب عندنا لا الجد ثم الأب فالحفيد، ولا الحفيد ثم الأب فالجد، بل الجد ثم الحفيد فالأب.
في الموسيقى مأساة نظام وتنظيم. العالم العربي صورة ناطقة. المقامات العربية لا يوجد لها سلم موسيقي يوحدها، يربطها فتسير عليه وتعرف به ويكون لها هوية. الجامعة العربية هكذا. المشكلة في أداء الدماغ الذي تربى على الأداء غير المنضبط. حين تتحدث عن المقام العربي ولا تستطيع تحديد ما هو، فكأنك تتكلم عن النظام العربي ولا تقدر على تصنيفه وتعريفه. انظر إلى الفرقة الموسيقية العربية، لقد طغت عليها آلات ضبط الإيقاع، و«الكيبورد» الأجنبي الذي يؤدي كل الآلات. الأداء السياسي العربي كذلك استولت القوى الخارجية على دوره. أين البحث العلمي والتحقيق في الجانبين؟ صفر أو، حتى لا نصاب بالإحباط، لا شيء. ما ذنب الظل إذا اعوج العود؟
اللغة العربية هي الطامة الكبرى. بعد ست عشرة سنة (من الابتدائية إلى الجامعة)، اسأل الخرّيجين أن يكتبوا عشرة أسطر بلا أغلاط، وسترى. لكن رحمة الله واسعة، فعشرة الأسطر كثيرة، بدليل أن أبا حيان التوحيدي تحدى أي كاتب أن يأتي بمثلها من دون أخطاء في اللغة والتركيب والمعنى وترابط الأفكار…! معنى ذلك أن مناهجنا عملياً تؤهل الأدمغة للخروج عن السلامة وعليها. عد إلى الخطب والتوصيات والقرارات، هل ترى بها منطقا أو انضباطاً؟
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: عدم تربية الدماغ يجعله يدمغ دمغاً دامغاً.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى