قبل احتلال العقول
مارلين سلوم
«من اللغات الأكثر انتشاراً في العالم». قد يستغرب الشباب أن تتحدث عن «العربية» بهذه الميزة، فهي في نظره، الأقل استخداماً وتداولاً وكتابة، فمن أين لها أن تكون من بين اللغات الأهم في العالم؟
لا يعرفون أنها من أقدم اللغات في العالم؟ ربما يدركون ذلك، لكن المعلومة تعبر طريقها إلى أذهانهم لتخرج سريعاً دون أن يعلق منها أي شيء، ودون أن تستوقفهم ليصدقوها فيثقوا بها وبأهمية ومكانة لغتهم الأم التي تراجعت إلى الوراء بسبب عوامل تعرية كثيرة.
اليوم العالمي للغة العربية، هو يوم لا يعنينا الاحتفال فيه بهذه «الأم» التي نتحدث بها منذ أول يوم نعلن فيه انتماءنا إلى هذا العالم، وأول حرف ننطق به، بقدر ما هو يوم للحساب والمحاسبة.
كثيرة هي المبادرات التي أطلقتها وتطلقها الإمارات من أجل حماية اللغة العربية والحفاظ عليها، وهي تحث المدارس والطلاب والمؤسسات الرسمية على التعامل بها والتنافس من أجل الارتقاء بها. لكن هل فعلاً تصل الرسالة إلى الشباب بعمقها ويتأثرون بها فيحرصون عليها؟
لا يجب أن ننكر أن الموجة عالية جداً، وأن الجهود المبذولة لا تكفي لإحاطة الشباب والأطفال بكل ما يغريهم للتوجه نحو «العربية» أكثر، والتعامل فيما بينهم بها. هل يكتبون على أجهزتهم الإلكترونية وهواتفهم ويتواصلون بالعربية؟ هل استطاع اللغويون المسؤولون عن تطوير وحماية هذه اللغة، العمل على تجديدها لتتلون وتولد بشكل مختلف فتواكب اهتمامات الأطفال والشباب، وبالتالي يشعرون بقربهم منها وبسلاستها؟
التواصل الاجتماعي صار له لغته الخاصة التي تختصر الكلمات بحروف ورموز وإشارات، فهل العربية عرفت كيف تولد من جديد، ووجدت «سيبويه» عصرياً يبسط النحو أكثر فأكثر، ويبتكر قاموساً يماشي لغة الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة؟ هل حاولت المدارس أن تقرّب اللغة من أبناء هذا الجيل في أسلوب التعليم وفي تواصل المعلمين مع الطلبة والأبحاث التطبيقية التي يطلبونها منهم؟
زرع حب اللغة في الصغار يحتاج إلى أدوات وعقول لينة، غير جامدة، تقبل الحوار المتبادل، تأخذ من القديم وتمزجه بالحديث.. المناهج تحتاج إلى تطوير، والتطوير يعني أن نبحث عن شباب يبتكرون أساليب تعليمية حديثة، فلتكن من خلال مسابقات يتنافسون فيها من أجل تقديم أفكار متنوعة، تخضع لرقابة لجان مشتركة فيها من التربويين المخضرمين والقدامى، مع الشباب المثقف والمدرك لأهمية «العربية» وضرورة الحفاظ عليها وتطويعها دون الإخلال بقيمتها أو الانحدار بها نحو السوقية.
لا نخاف على اللغة اليوم، إنما الخوف من أن يجرفها تيار الغرب العالي، خصوصاً أنها جزء أساسي من الهوية العربية، والتي يسعى البعض إلى طمسها وتهميشها ليصير أهلها غرباء عنها وعن أصولهم وهويتهم، فيصير «احتلال العقول» أسهل وأسرع.
marlynsalloum@gmail.com