قبل مئة عام والآن وغداً
شيماء المرزوقي
قرأت قبل بضعة أيام قصة أوردها الدكتور عبد المحسن صالح، في كتابه «التنبؤ العلمي ومستقبل الإنسان»، وقعت في مدينة نيويورك في عام 1913، تدور أحداثها حول رفع قضية في المحكمة الاتحادية الأمريكية ضد مخترع شاب يسمى دي فورست، اتهمه الادعاء العام بأنه يضلل الناس ويخدعهم ويحتال على الأبرياء لسرقة أموالهم في مشروع وهمي خيالي لا يمكن لأي عاقل أن يصدقه، وأخذ الادعاء يتحدث عن ذلك المخترع بلغة تهكمية ساخرة ويشرح للمحكمة أنه يقول إن هذا الاختراع سينقل الصوت البشري عبر المحيط الأطلنطي.
غني عن القول أننا ونحن نقرأ ونسمع بمثل هذه القصة سينتابنا العجب والذهول كون الهواتف الذكية المتناهية الصغر نحملها في أيدينا كواقع معاش لا تثير الدهشة ولا الاستغراب، لكننا نغفل أن كثيراً من المخترعات والمبتكرات التي نعيشها اليوم كانت في فترة زمنية ماضية محل خشية وخوف وتعتبر بمثابة أحلام، لكن المذهل بحق أن هذه القصة ليست بعيدة عنا زمنياً فلا يفصلنا عنها إلا نحو 105 أعوام، ولكن بالنظر لها ندرك حجم الهوة العظيمة بين ذلك الجيل وما نعيشه اليوم من علوم ومعارف.
وعندما أقول إن مئة عام ليست فترة زمنية طويلة لأن بيننا مَن أمد الله في عمره ووصل لأكثر من مئة عام، وبالتالي فإن هذا الوقت ليس بالطويل أو الضارب في عمق الزمن، بل هو زمن يدركه الإنسان وواضحة معالمه، ورغم هذا حدثت تطورات مهولة وكبيرة خلاله لا يمكن قياس حجمها ولا قوة سطوتها وأثرها الكبير في مسيرة الإنسان، وبالتالي فإن كل هذه القفزة الهائلة في تطور البشرية ليس في مجال المبتكرات والمخترعات والتطور المعرفي والمعلوماتي والتقني وحسب، بل في مجال التفكير والمنطلقات والأنظمة والتخلص من رواسب التخلف ومقاومة التقدم والتجني على العلماء والمخترعين وإفساح المجال لهم للإبداع والتعبير، عما يأملون ويعملون عليه بكل حرية، بل دعمهم وتشجيعهم، بدلا من محاكمتهم وسجنهم وطردهم أو تعذيبهم، تمت جميعها خلال مئة عام، فإنه تبعاً لذلك نتوقع في غضون فترة زمنية أقصر وأقل بكثير أن تحقق البشرية قفزات طويلة نحو المزيد من التطور ونحو المزيد من المخترعات والمبتكرات التي ستثري البشرية، خاصة في مجالات الطب وعلوم الفضاء والذكاء الاصطناعي وتقنيات الاتصالات.
Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com