مقالات عامة

قرن الصفقات

خيري منصور

لعلها من المفارقات أن ترد عبارة «صفقة القرن» قبل أعوام عديدة في فيلم سينمائي عربي بعنوان «عصر القوة»، أما السياق الذي وردت فيه تلك العبارة فهو تجارة سلاح في السوق السوداء من حلف الناتو!
لكن الصفقة أو ما أطلق عليه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس «صفعة» القرن أصبحت تعني شيئاً آخر تماماً، والقاسم المشترك الوحيد بين الفيلم السينمائي والواقع هو العنوان، وهو عصر القوة، وليس معنى ذلك أن هناك عصوراً مرت في التاريخ لم يكن الحكم النهائي فيها للقوة.
لكن ما استجد في عصرنا هو ما يطلق عليه بعض الاستراتيجيين ومنهم بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأسبق في أمريكا حذف العدالة من القوة، بحيث تصبح عمياء، ووحشية وتعيد البشرية آلاف الأعوام إلى الكهف وشريعة الغاب!
أما إعلان نيكي هايلي مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة بأن الصفقة بدأت تطرق أبواب الشرق الأوسط، وأن لا تراجع عن قرار الرئيس ترامب في الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية وبالتالي نقلها من «تل أبيب» إلى القدس، فإن تحديد موعد هذا النقل في مايو/أيار القادم ليس مصادفة، لأنه يتزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية بحيث يكون الاحتفال بنقل السفارة وذكرى تأسيس الدولة العبرية الوجه الآخر للتراجيديا الفلسطينية.
ونادراً ما حدث مثل هذا التزامن الدراماتيكي بين عُرس ومأتم! هذا بالرغم من أن إطلاق اسم «صفقة القرن» على جملة من المقايضات السياسية ليس دقيقاً، فالقرن ما يزال في بداياته وما مضى منه أقل من الخمس، ودلالة ذلك أن الثمانين عاماً المقبلة قد تشهد مفاجآت وربما صفقات!
إن عصر القوة لا يعترف بحقوق الضحايا ولا يتيح لهم حتى الحق في الأنين، والضحية النموذجية والأليفة بمقاييس الأقوياء هي الضحية الخرساء، التي تتعامل مع كل ما جرى لها باعتباره قدراً لا فكاك منه، لهذا عليها أن تتأقلم مع الأمر الواقع، لأن تمردها يعرضها للتنكيل بعد الذبح.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى