قمة ليبية في باريس
مفتاح شعيب
من المتوقع أن يعقد قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر لقاء مع رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج في باريس غداً الثلاثاء برعاية فرنسية، في محاولة لإنهاء الأزمة المزمنة في البلاد، وهذا اللقاء بين الرجلين في عاصمة أوروبية سيكون استكمالاً لمساع حميدة بذلتها دول وأطراف عدة لدفع الليبيين إلى المصالحة وبناء نظام سياسي عادل يلبي التطلعات الوطنية المشروعة.
اللقاء المرتقب بين حفتر والسراج ليس مفاجئاً، فقد سبق أن التقى الرجلان على أرض الإمارات في بداية مايو الماضي، في واحد من أهم الاختراقات في الأزمة الليبية، وقد كان اللقاء في أبو ظبي مثمراً ومهّد الطريق للتواصل بين الطرفين، وسيكون اجتماع باريس إحدى نتائجه المباشرة، ويمكن أن يعول عليه في الاتفاق على أرضية للحل بالنظر إلى الدوافع والحوافز الدولية المقدمة للأطراف الليبية لتجاوز الجمود في تطور العملية السياسية. وبنظر كثير من المتابعين فإن التوقيت بات مناسباً لإحداث اختراق فعلي في ليبيا، فأغلب الأطراف، خصوصاً حكومة الوفاق ومجلس النواب، أصبحت مهيأة لمناقشة التفاصيل بعد الاتفاق على المبادئ العامة ومنها مراجعة الاتفاق الأممي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية في ديسمبر 2015. فعلى امتداد الأشهر الماضية لم تتوقف الاتصالات وانعقدت اجتماعات في القاهرة وتونس والجزائر، وكلها تصب باتجاه التقريب بين الفرقاء والعمل على تحقيق مصلحة الشعب الليبي.
بموازاة الإعداد للتوافق بين قطبي الأزمة، حفتر والسراج، تتحرك على الساحة الليبية مساع كبيرة لجمع القبائل والمكونات الاجتماعية على ميثاق وطني يمهد للمصالحة، وهذا الأمر لا يمكن التقليل من شأنه، فالنسيج الاجتماعي تضرر كثيراً في السنوات الماضية بسبب الحرب الأهلية والتجاوزات والانتهاكات التي طالت الجميع وسببت جروحاً نفسية غائرة، فبعد الإطاحة بمعمر القذافي حدثت جرائم حرب نفذتها ميليشيات عديدة بحق من اتهموا بالولاء للنظام السابق، وعندما انتشرت التنظيمات الإرهابية في مدن عدة منها سرت وبنغازي تعددت التجاوزات وضاعت القيم والقوانين والأخلاق، ولا تبدو الآلام التي حدثت هينة، وقد يتطلب تجاوزها سنوات طويلة إذا تركت دون معالجة، أما إذا توفرت إرادة سياسية وعدالة تحاسب المذنبين، فبالإمكان اختصار الزمن والتسريع بالمصالحة وإشاعة التسامح بين مختلف المكونات الليبية.
من المؤكد أن الهدف المرجو لن يتحقق إلا بعمل سياسي مسؤول، وقد تكون قمة باريس بين حفتر والسراج فرصة ثمينة تنتهي بالتوافق على تسوية سياسية، خصوصاً أن الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون يرغب في إصلاح ما أفسده سلفه الأسبق نيكولا ساركوزي وما تخاذل عنه فرانسوا هولاند، فالسياسة الخارجية الفرنسية الحالية ترى في تأزم الأوضاع في ليبيا صداعاً مزعجاً أدى إلى زعزعة الاستقرار في غرب المتوسط والساحل الإفريقي الصحراوي، فضلاً عن انتشار الإرهاب وكان الفرنسيون أكثر من اكتووا به في ثلاث مناسبات على الأقل خلال عامين.
في الأزمات المعقدة مثل ما هو عليه الحال في ليبيا، يحسن التفاؤل، فقد يأتي من باريس خبر سار يؤسس لعهد جديد، وفي هذا الظرف ليس هناك ما يسعد الليبيين أكثر من توافق بين حفتر والسراج. وبعدما تبين أنه ليس بوسع أحدهما أن يلغي الثاني، تكون المصالحة هي الطريق الصواب، والاعتراف بدور كل منهما هو الفيصل لرسم ما هو آت. لعل الآتي يكون خيراً وأمناً وسلاماً.
chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article