مقالات عامة

قوة القراءة والكنوز الخفية

شيماء المرزوقي

الخبرات والمعارف البشرية تناقلت من جيل إلى آخر من الأجداد إلى الآباء ثم إلى الأبناء، وهكذا استمرت عملية النقل، ففي تلك الحقبة الضاربة في عمق تاريخ البشرية لم تكن مثل هذه العملية تتم وفق أسس وضوابط ونظام، وإنما بشكل عفوي ووفق الحاجة اليومية. لذا كثير من هذه المعارف والخبرات والكشوف اندثر أو على الأقل لم يعرف من يقف خلفه ومن طوره ومن أطلقه، لكن مثل هذه الحالة تغيرت بشكل جذري منذ أن اكتشف الإنسان طريقة جديدة لحفظ تجاربه ونقلها للأجيال التالية.
في البداية اعتمد على النقش على الأحجار وداخل الكهوف، فقد نقش رحلات الصيد والحيوانات التي يسعى نحو جلودها ولحمها، وأيضاً نقش الحيوانات المفترسة التي تهدد حياته ومعاركه معها، أيضاً نقش الشمس والقمر، وكأنه يرصد مواسم الزراعة والحصاد والأمطار، ثم تطورت عملية النقش لرموز كل رمز يدل على أمر ما، وسرعان ما تحولت إلى أحرف يتم نطقها، حتى حضرت الكتابة والقراءة، وبدأت معها حقبة الورق وسلسلة طويلة من التطوير في هذا المجال. لكننا إذا توقفنا عند أثر الكتابة والقراءة، فإننا نجد أنهما أثرتا التاريخ البشري وحفظتا وصانتا مبتكراته واختراعاته، ولم تكن الفائدة في الحفظ من الهدر والضياع وحسب بل في قدرة الأجيال التالية على التطوير لأي مخترع والانطلاق من النقطة التي تم الوصول عندها. وهذه العملية ساهمت بشكل واضح في نقل الخبرات والمعارف لمختلف المجتمعات البشرية بشكل دقيق، وساهمت في تشارك هذه المعارف، وهو الأمر الذي دفع نحو الرقي ونحو التقدم البشري.
نعيش فعاليات شهر القراءة، والتي تعني أن ندرك تاريخها وأثرها العام والشامل على مختلف المجتمعات البشرية، والتي معها تتضح خصالها العظيمة تجاه الفرد القارئ، وإذا أدرك كل واحد حجم ما أحدثته القراءة في التاريخ البشري من تغييرات جذرية مهولة، فعندها يمكن معرفة قوة القراءة وأيضاً أثرها في الفرد، وهو الأثر الذي يدرك فائدته قلة من الناس، إنما السواد العظيم يفتقدون الروح المتوثبة نحو التعمق في أتون الكتب ومحاولة التعرف إلى ما يحتاج إليه والتزود به، إنها دعوة لاقتناء كتاب، والغوص في عمقه لتلمس هذه الكنوز الخفية.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى