كنائس القدس المهددة
مفتاح شعيب
دفعت سياسات التضييق التي تمارسها «إسرائيل» كنيسة القيامة في القدس المحتلة إلى إغلاق أبوابها احتجاجاً على ضرائب تم فرضها عليها، وهو إجراء اتخذته سلطات الاحتلال ينسجم مع مشروعها الواسع لتهويد القدس ومصادرة مقومات هويتها العربية ببعديها الإسلامي والمسيحي. فبعد الاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى ومحاولات إغلاقه وتشويه معالمه، يبدو أن الكنائس قد وضعت في دائرة الاستهداف أيضا، تمهيداً للاستيلاء على أملاك بطريركية الروم الأرثوذكس وتفريغ القدس من الوجود المسيحي.
الاعتداء «الإسرائيلي» الجاري على الأوقاف المسيحية لم يسبق له نظير، ويمثل منعطفاً في الصراع الدائر حول القدس، بعدما بلغت حكومة الاحتلال مبلغا كبيرا باتجاه التطرف وانتهاجها قصداً سياسات استفزازية لمضايقة المكونات السكانية للمدينة المقدسة.
ولا شك أن هذا التطاول غير المسبوق والجرأة المتصاعدة إزاء المقدسات الإسلامية والمسيحية نابع بالأساس من المواقف الأمريكية الأخيرة المنحازة بشكل أعمى إلى «إسرائيل» على حساب الاتفاقيات والالتزامات الدولية. فمنذ القرار المشؤوم الذي اتخذته واشنطن باعتبار القدس عاصمة ل «إسرائيل»، بدأت سلطات الاحتلال تتجاوز كل الخطوط الحمراء وتمعن في إيذاء الشعب الفلسطيني وتحاول السطو علنا على مقومات وجوده خصوصا في العاصمة المحتلة. وبدا رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الغارق في فضائح الفساد، في عجلة من أمره، يسابق الزمن لتحقيق ما كان يعجز عنه سابقا مستغلا الدعم اللامحدود الذي يلقاه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته.
هناك سعي «إسرائيلي» محموم لتغيير الأوضاع الديموغرافية والجغرافية والتاريخية في عموم الأراضي الفلسطيني. وبينما يتم الضغط على كنائس القدس وتهديدها، لم تسلم بيت لحم، مهد السيد المسيح، من المشروع التهويدي، فقد صادقت حكومة الاحتلال على بناء 350 وحدة استيطانية، وهي وجبة جديدة ضمن المخططات الاستيطانية التي لا تنفك حكومة الاحتلال الإعلان عنها كل أسبوع تقريبا. ورغم المساعي الفلسطينية لوقفه والرفض الدولي لهذه السياسية الاحتلالية، مازال الاستيطان يلتهم المزيد من الأراضي ويطرد أصحابها الأصليين. وبعد قرار مجلس الأمن 2334 الصادر بداية العام الماضي، ضاعفت سلطات الاحتلال من مشاريعها الاستيطانية، وكأن في الأمر انتقاماً من الشرعية الدولية لوقوفها إلى جانب الحق الفلسطيني. وبحسب منظمة «السلام الآن»، الناشطة في تسجيل الاستيطان في الأراضي الفلسطينية فإن «إسرائيل» صادقت على مخططات لبناء 6500 وحدة استيطانية في الضفة الغربية منذ بداية 2017، مقارنة مع 2629 وحدة في 2016 و1982 وحدة في 2015.
لا يبدو في الأفق أمل يشير إلى أن سلطات الاحتلال ستتوقف عن سياساتها العنصرية، فما يجري في القدس المحتلة والضفة الغربية والعربدة اليومية حول قطاع غزة المحاصر، كلها مؤشرات للتصعيد والإمعان في النيل من الشعب الفلسطيني وحقوقه. وفي غياب أي رادع أو وازع قانوني أو أخلاقي، ستستمر «إسرائيل» على هذا النهج، وسيكون استهداف الكنائس والوجود المسيحي هو هدف المرحلة تمهيداً لما هو أسوأ.
chouaibmeftah@gmail.com