قضايا ودراسات

كنوز تربوية مهملة

عبداللطيف الزبيدي

متى يعاد النظر في أسس تعليم العربية؟ لقد برهنت نتائج تعليم اللغة في العالم العربي، على أن الابتكار غائب تماماً، لكن«نعمة» تقليد الأنظمة التربوية الناجحة عالميّاً، تظل متاحة، فما المانع من الاغتراف؟
حلقة مرحلة الحضانة هي الأضعف، بينما هي الأساس، فلا عجب في أن يقوم البنيان على الهشاشة. الأسباب محرجة، فتراثنا التربويّ يهمل السنوات الخمس أو الست الأولى، وكأن الطفل فيها لا وجود له. في التاريخ الحديث يبدأ الحساب من عتبة الابتدائية. ميراثنا التربوي بعد الإسلام، أهمل منهجاً رائعاً كان معمولاً به في الجاهلية، ولم نر له أثراً عمليّاً في القرون التالية. لقد دعا القلم مراراً إلى إحيائه وتطبيقه في الحضانات. كان أهل الحضر في العصر الجاهلي يرسلون صغارهم إلى البادية ليكونوا فصحاء. الإحياء بسيط، يكفي تخصيص معلمين لهم نطق سليم، وعندما يدخل التلميذ المدرسة يكون أفصح من الكثير من الجامعيين. عندئذ تتغير المناهج.
جان ميشيل بلانكيه، وزير التربية والتعليم الفرنسي، يعدّ من خيرة نظرائه في العالم، وحين عيّنه الرئيس ماكرون، كان من قبل رافعاً شعار: «تعليم الغد»، جوهره أن البناء اللغويّ يبدأ في الحضانة. هو يذهب إلى بعيد إلى حدّ وصف الصغار الذين يحرمون العناية بلغتهم في السنوات السابقة للابتدائية، بأنهم ضحايا «طبقيّة لغويّة». الثروة المعجمية التي يكتنزها الصغير في الحضانة تجعله يدخل المدرسة بغنى لغويّ يفتقر إليه المعدمون، ينشأ عن ذلك ضيق أفق الاستيعاب وقصور الخيال والتفكير والإحساس بجمال اللغة وموسيقاها. إذا أضفنا إلى التجربة الجاهلية الرائعة، جوهرة تربويّة جاحظيّة مهملة هي الأخرى، حققنا معجزة لغوية للعربية. كان أبو عثمان يوصي المعلمين بألاّ يعلّموا الصبيان من النحو إلاّ ما يحتاجون إليه في حياتهم اليومية. أعلام لغويون في تاريخنا نادوا بتبسيط القواعد لم يسمع لهم أحد. الاقتصادي البريطاني آدم سميث، دعا إلى جعل قواعد الإنجليزية بضاعة عملية ومفيدة فأخذوا بدعوته.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاقتصادية: الثروة لدى العقل العربي ليست للاستثمار والتنمية.

abuzzabaed@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى