كيف تتحكم الشركات والمجمع العسكري بمناخ العالم؟
تأليف: نيك بوكستون وبن هايز/عرض وترجمة: نضال إبراهيم
في الوقت الذي يشعر فيه العلماء والعديد من سكان العالم باليأس في كشف تداعيات تغير المناخ، والسعي لوضع ضوابط على الشركات والدول، إلا أن قادة الشركات وما يسمى في هذا العمل المجمع الصناعي الأمني العسكري لهم رؤية مختلفة تجاه هذه الأزمة المناخية، إذ إن الأمر يحمل التحديات والفرص الواعدة، حيث يجدون أن ذوبان القمم الجليدية يعني إمكانية الوصول بشكل أسرع إلى الوقود الأحفوري، وتأمين الحدود من «لاجئي المناخ»، وإدارة الصراعات الاجتماعية، والتدخل في أكثر الدول الفاشلة. كما تفكّر النخب القوية بشكل أعمق في كيفية إحكام السيطرة على العالم الذي يعاد تشكيله تدريجياً من خلال المناخ. باختصار يمكن القول إن أزمة المناخ التي سيتضرر الكثيرون منها في العالم بسبب الجفاف والفيضانات.. هناك من يخطط للاستفادة منها والمتاجرة بكوارث الآخرين وتأجيج الصراعات واستثمارها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.
ينظر الكتاب الذي بين يدينا إلى الأساليب المستخدمة في التعامل مع قضية تغير المناخ بعين ناقدة للغاية، ويجد أن شرعية النخبة العالمية تحت ضغط غير مسبوق، بفعل مقاومة المجتمعات المحلية إلى انتزاع الموارد وخلق نماذج عادلة جديدة بيئياً واجتماعياً فقط لإدارة الطاقة والغذاء والمياه. ويشير إلى أن هناك حاجة ماسة للتكيف والقدرة على التكيف مع عالم يشهد فيه المناخ تغيراً، إلا أن الشكل الذي سوف يتخذه سيؤثر بشكل كبير على كل مستقبلنا.
يتألف الكتاب الصادر عن دار«بلوتو برس» في 268 صفحة، 2016، من ثلاثة أقسام، يحتوي كل قسم منها على مجموعة من المقالات الموثوقة التي كتبها صحفيون وأكاديميون مرموقون، وناشطون سوف يصوغون أهم المناقشات للسنوات القادمة.
أجندة أمنية
يتناول القسم الأول بعنوان «أجندة أمنية» الطريقة التي تسعى فيها الدول والشركات للاستفادة من تغير المناخ لخدمة غاياتها الخاصة. ونستكشف في الفصل الأول منه بعنوان «التقارب الكارثي: العسكرة، الليبرالية الجديدة وتغير المناخ» بقلم كريستيان بارينتي، جغرافيات العنف الجديدة والروابط بين المناخ والنزاعات وانعدام الأمن. ويقول الصحفي والباحث الأمريكي بارينتي إن تغير المناخ قد كان عاملاً مهماً في مجموعة كاملة من الصراعات وقد تم تجاهله، ولا سيما في مناطق خطوط العرض الوسطى في العالم، والتي تأثرت على نحو أكثر بالتغيرات في أنماط الطقس. ويقدم بارينتي شهادته بعد رحلات له في أجزاء عديدة من العالم، أهمها أفغانستان وكينيا والهند، ويستنتج محررا الكتاب أن الإحباط الذي حدث لدى الجماهير العربية كان مرتبطاً بتغير المناخ، ولو بشكل جزئي، حيث زادت الهجرات الداخلية وقلّت الموارد الزراعية، ما أدى إلى المساعدة في تفجر الوضع في الدول التي سميت بما يعرف دول «الربيع العربي».
يوضح بارينتي كيف أن الأزمة البيئية التي تصطدم مع الإرث الثنائي لعسكرة الحرب الباردة واقتصادات السوق الحرة التي أطلق لها العنان لتأجيج الصراعات القائمة، وخلق أنماط جديدة من العنف، وكيف أن دول شمال الكرة الأرضية وغيرها في الجنوب تستجيب من خلال المزيد من القمع والمراقبة وبرنامج دائم لمكافحة التمرد. ويشير بارينتي إلى أن الكثير من أعمال العنف لها جذور في الصراعات بشكل لا يتجزأ داخل اقتصاد الوقود الأحفوري العالمي، حيث تبع العنف باستمرار استخراج النفط، بدءاً من قمع السكان في مناطق استخراجه، إلى الصراعات الجيوسياسية العملاقة التي دمرت وشوهت السياسة في الشرق الأوسط.
استعمار المستقبل
في الفصل الثاني بعنوان «استعمار المستقبل: تغير المناخ واستراتيجيات الأمن الدولي» يدرس الباحث بن هايز الاستراتيجيات الأمنية التي تسعى لمعالجة آثار تغير المناخ. ويفكك عقيدة «التهديد المتعدد» من قبل حلف «الناتو» و«البنتاغون» والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها من الجهات التي تؤطّر تغير المناخ وتجعله قضية أمنية من أجل تعزيز دورهم في إدارة آثاره. ويعلق: «إن تقييم التهديد على المدى الطويل هو الشيء الذي تدعي الوكالات العسكرية والأمنية أنها مكلفة للقيام به من أجل المصلحة العامة، ومع ذلك، هناك خطر كامن في الحرية والديمقراطية، من خلال السماح لهذه الوكالات بأن تلعب دوراً رائداً في هذا المجال، لأنها من الناحية الهيكلية والأيديولوجية تميل لتطبيق مجموعة محدودة من الاستجابات الأمنية الصعبة، والتي تعتمد على النموذج الذي يسعى للحفاظ على السيطرة بدلاً من معالجة المشكلات. هذه الأيديولوجية والممارسة تخدم أيضاً مصالح أولئك الذين لديهم السلطة والموارد. وهي بحكم طبيعتها، تناهض الإجراءات التي ستسعى إلى إعادة توزيع السلطة والثروة، وبالتالي معالجة حالات عدم المساواة هي في قلب أزمة المناخ. وهذا يمكن أن يظهر بوضوح في تفاصيل الاستراتيجيات الأمنية العسكرية التي تركز على كيفية حماية الأصول والموارد وسلاسل التوريد ضد عدم الاستقرار الاجتماعي الناجم عن تغير المناخ.
ويستكشف الفصل أيضاً العلاقة بين السياسة الأمنية وسياسة الندرة، التي ولدت معاً مجموعة كاملة من القصص الفرعية مثل الأمن الغذائي والأمن المائي وأمن الطاقة، وهلم جرا.
أما الفصل الثالث من هذا القسم بعنوان «تغير المناخ: كيف تدير الشركات العابرة للحدود المخاطر وتستعد للربح في عالم يشهد تغيراً سريعاً للمناخ» يناقش فيه عالم المناخ والباحث والناشط أوسكار ريس، الناحية المؤسسية للخطة الجديدة للأمن من خلال عدسة إدارة «الخطر» وتشجيع «مرونة» الشركات، وبعبارة أخرى، تحقيق الربح المستمر. يشرح ريس كيف أن قصة الأمن تم الاستيلاء عليها من قبل نخب الشركات للدفاع عن الوضع الراهن وتعزيز سلطتهم، حيث يجد أن تغير المناخ يجلب على حد سواء المخاطر للشركات مثل فائض في المستودعات أو انقطاع طرق التجارة، ويتوضح الأمر من ناحية نشوء أسواق جديدة، وطرق إمداد جديدة وتغيرات في أنماط الاستهلاك. ويرى أن المستفيد الأكبر هو الشركات الرأسمالية، ويقول: «ومع ذلك من الناحية المالية، فإن هذه الشركات نفسها تستثمر في الأنشطة غير المستدامة بعمق، ومن الناحية السياسية تمارس نفوذها لمنع التدخلات في المناخ، وتروج لخبراتها التكنوقراطية على أنها الحل لأية مشكلة تظهر».
توقع الاضطرابات
يتناول القسم الثاني من هذا الكتاب بعنوان «الأمن لأجل من؟» أربع سمات محددة من أجندة تغير المناخ للشركات – الدولة، من حيث صلتها بالتكيف مع تغير المناخ. ومن المفهوم أن التكيف مع تغير المناخ هو الجهود المبذولة للحد من ضعف النظم البشرية والطبيعية والاجتماعية التي تخلف تأثيرات على تغير المناخ. ويناقش أن المدن والمؤسسات والحكومات تحتاج بوضوح إلى الاستثمار في جهود التكيف لحماية الناس من التأثيرات المناخية السلبية.
ويضم أربعة فصول: في الفصل الأول منه بعنوان «حالة طوارئ دائمة: الطوارئ المدنية، إدارة المخاطر وحقوق الإنسان» يبحث الصحفي نافيز أحمد الذي شاركه في الكتابة (نيك باكستون وبن هايز) في كيفية استعداد الحكومات لمواجهة الكوارث «الطبيعية» مع «الطوارئ المدنية» و«التأهب للكوارث». ويقول: «في جميع أنحاء العالم، أضافت دول عديدة قوانين جديدة تنص على تعليق عمل المؤسسات الديمقراطية وتقييد الحريات المدنية في أوقات الأزمات. في كثير من الحالات، هذا التشريع يبنى على ويمتد حتى إلى القوى المعتمدة سابقاً في زمن الحرب. وفي الوقت نفسه، تراجع مستوى استدعاء تلك القوى من حالة الطوارئ إلى أي وقت من حدوث «أزمة» ما». ويضيف: «في الوقت الذي يكون فيه من الشرعي والمرغوب فيه بالنسبة للحكومات التخطيط للأسوأ، من الواضح أن جزءاً كبيراً من هذا التخطيط متعلق ب «التهديد» الذي فرضه المواطنون على الحكومات». يظهر نافيز أن هذه القوى في حالة «الطوارئ» تستند على اتخاذ تدابير استثنائية والآن دائمة، تحت مسمى «الحرب على الإرهاب». في مرحلة ما بعد «احتلوا وول ستريت»، وما يسمى «الربيع العربي» أصبحت الأجهزة الأمنية مشغولة على نحو متزايد مع إدارة وتوقع الاضطرابات الاجتماعية، التي تستند على النشاط الاجتماعي الراديكالي.
لاجئو المناخ
ويتطرق الفصل الثاني من القسم الثاني بعنوان «من حماية اللاجئين إلى الإقصاء القائم على العسكرة: ما هو مستقبل لاجئي المناخ؟» بقلم بن هايز وستيف رايت وأبريل هامبل، إلى مناقشة مستقبل هؤلاء الذين يفرون من بلدانهم بسبب عواقب تغير المناخ عليهم، ويتوجهون إلى الدول الغربية التي تقيم أسيجة قوية لصدهم، ويشير الكتاب إلى أن المطلوب هو ابتكار تصنيف قانوني جديد لهذا النوع من اللجوء وهو «اللجوء البيئي». ثم يعاين الفصل الثالث بعنوان «الإصلاح فيه: الهندسة الجيولوجية طريقنا للخروج من الأزمة المناخية؟» بقلم كاثي جو ويتر وسيلفيا ريبيرو وإي تيسي غروب، مصالح الشركات والمصالح العسكرية التي تعزز الهندسة الجيولوجية للمناخ في تخفيض درجات الحرارة ومنع تأثيراتها الضارة.
ويناقش الفصل الرابع بعنوان وفاة الغسل الأخضر: «تغير المناخ وتجارة الأسلحة» بقلم ناشط السلام الهولندي مارك أكريمان، بعض الردود على نطاق أوسع من المجمع الصناعي العسكري العالمي إلى تغير المناخ. ويقول: «في أعقاب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك، إن ما يمكن وصفه بشكل أكثر دقة بالمجمع الصناعي الأمني العسكري أصبح قوياً للغاية. في العام 2013، بلغ الإنفاق العسكري العالمي نحو 1.7 تريليون دولار، وهو 130 مرة أكثر من الإنفاق الإنساني المخطط له، فضلاً عن تقزيم أي استثمار في تغير المناخ. ويضاهي الإنفاق العسكري الأمريكي إنفاق تسعة أعلى منفقين عالميين بالإجماع، مع سعي أكثر للشركات للحصول على حصة كبيرة في الكعكة». ويضيف: «نشرت صحيفة واشنطن بوست تحقيقاً في العام 2010، كشفت فيه عن وجود 1931 شركة خاصة تستفيد من ميزانية الاستخبارات، والتي أصبحت أكثر من الضعف بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر. إن الشركات تجني أرباحاً ضخمة من هذه الصناعة القائمة على الخوف المتنامي، والذي بات من الواضح أن هناك مصلحة في تأجيج خطره على وسائل الإعلام، وإثارة الكثير من الجدل السياسي حوله، حيث يتم إقناع الجمهور أن هناك مستقبلاً خطيراً غير آمن، وكل ذلك من أجل التشجيع على الحلول الأمنية».
عالم يتغيّر
يلقي القسم الثالث من العمل نظرة نقدية على الخطابات الجديدة للشركات – الدولة عن الغذاء والماء وأمن الطاقة. والقاسم المشترك هو رؤية العالم الإنجليزي في السكان توماس روبرت مالتوس للندرة التي تتوقع نقصاً في المستقبل نظراً للنمو السكاني إلى جانب قيود المناخ. والحل المقترح المهيمن على هذه الحالة من «انعدام الأمن» هو نفسه دائماً: التوسع في الإنتاج، وتشجيع المزيد من الاستثمارات الخاصة ومشاركة واستخدام التكنولوجيات الجديدة للتغلب على العقبات. ويحتوي هذا القسم على أربعة فصول هي: الأول بعنوان «زرع انعدام الأمن: الغذاء والزراعة في زمن تغير المناخ» بقلم نيك بوكستون وزو برنت وآني شاتاك، والثاني بعنوان «في المياه العميقة: مواجهة أزمتي المياه والمناخ» بقلم ماري آن ماناهان، والثالث بعنوان «السلطة إلى الناس: إعادة التفكير بأمن الطاقة» من موقع «بلاتفورم لندن».
ويشير محررا الكتاب في الخاتمة بعنوان «إيجاد الأمن في عالم يشهد تغير المناخ» إلى أن نظام الطاقة لدينا في أزمة. ففي كل سنة، يتم إنتاج المزيد والمزيد من الطاقة، ومع ذلك، فإن 1.6 مليار شخص، أي ما يعادل حوالي 20 بالمئة من سكان العالم، لا تصلهم الطاقة الكهربائية بشكل منتظم. وفي السنوات المقبلة، من المتوقع حدوث ازدياد كبير في استخدام الوقود الأحفوري، وهذا سوف يجعل قدرتنا على التحكم بالاحتباس الحراري مستحيلة. ومن الواضح أنه عندما يتحدث صنّاع السياسة عن أمن الطاقة، لا يقصدون من وراء ذلك ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للناس، أو منع الكارثة المناخية. بدلاً من ذلك، تجدهم مهووسين بقضية واحدة وهي كيفية إنجاز الإمدادات المستمرة للنفط والغاز والفحم إلى السوق في المستقبل.
ويشير الكاتبان إلى أنه لأجل مستقبل طاقة مستدام وعادل يجب كسر قبضة مصالح النخبة على أنظمة الطاقة، وإنهاء التبعية، وتوسيع الحكم الذاتي، وبناء هياكل الطاقة المتنوعة، ويضيف أنه في السنتين الأخيرتين، اكتسب مصطلح «ديمقراطية الطاقة» شعبية كبيرة، ناشئة عن الحركات المطالبة بالعدالة والتي تنشط في قضية المناخ، وهو مبدأ قادر على دمج قضايا الطاقة والمناخ بهدف التفكير في احتياجات الناس والكوكب. ويعلق: «إن طبيعة الديمقراطية هي التنوع: ليس هناك من مخطط واحد يصلح لكل الأوضاع، لكن هناك أيضاً قوة له. وأي مستقبل مرن للطاقة سوف يتألف من مشاعات الطاقة، وتكافلاتها وممارساتها وأفكارها. وهي أيضاً خطوة حاسمة في إعادة تصور لمجتمعنا الراهن، والذي يتحدى نظاماً نيوليبرالياً، يقوم على ضمان الحدود والمصادر لأكثر الناس نفوذاً، بدلاً من السعي بشكل جمعي إلى تلبية احتياجات الجميع».