جديد الكتب

كيف فقدت أمريكا أسرارها؟

تأليف: إدوارد جاي إبستين
إعداد وترجمة: نضال إبراهيم

بعد نشره وثائق تتعلق بمراقبة الحكومة الأمريكية مواطنيها في عام 2013، أصبح إدوارد سنودين، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي، مثار جدل دولي وطرحت العديد من الأسئلة حول ما قام به: هل كان بالنسبة للأمريكيين بطلاً، خائناً، مخبراً، جاسوساً؟ هل تمت شرعنة سرقته وفقاً لطبيعة المعلومات التي كشفها؟ هل حقاً كان سنودين العقل المدبر لأكبر عملية سرقة لملفات الاستخبارات الأمريكية على مر تاريخها؟ ما الوثائق التي لم يكشفها للصحافة؟
قصة محلل تكنولوجيا المعلومات إدوارد سنودين لم تغب كثيراً عن الأمريكيين والعالم، خاصة أنه يعيش في أمان وراحة الآن في روسيا، حيث يتلقى الحماية والرعاية بعيداً عن قبضة الحكومة الأمريكية. ومن المهم ملاحظة أن ما قام به سنودين، وما يسميه الكثير من الأمريكيين بطولة، يأتي من جهة رواية سنودين الخاصة به كما يعلق مؤلف هذا العمل الصحفي إدوارد جاي إبستين.
كانت صحيفتا «ذا غارديان» البريطانية و«واشنطن بوست» الأمريكية شريكتان مع سنودين في نشر وثائقه عن برنامج التجسس «بريسم»، وسرد قصته (ذا غارديان كانت تراهن مالياً على قصة سنودين بشأن تمددها في السوق الأمريكية)، وانضمت إليهما «نيويورك تايمز» فيما بعد. كما أن فيلم «سيتزن 4» الوثائقي الحائز على جائزة الأوسكار للمخرجة الأمريكية لورا بويتراس، إحدى المتعاونات مع سنودين في نشر الوثائق، تضع سنودين في قلب الرواية، من دون أن تأخذ رواية أخرى. وكذلك الفيلم الطويل الذي أخرجه أوليفر ستون حول سنودين يتناول قصته من وجهة نظر سنودين التي روجها له الإعلام، وهذا ما ينتقده إبستين، الذي يجد أن كل ما تم نشره وكتابته وعمله حول سنودين ينحصر في دائرة المقربين منه سواء من المدافعين والمستشارين ومن تغريدات سنودين على مواقع التواصل الاجتماعي.

سرقة الملفات السرية

يحاول إدوارد إبستين أن يستحضر خلاصة فطنته الصحفية في التحقيقات ليضطلع بعدد من الأسئلة المطروحة في قلب هذا العمل، ويخوض خلال مناقشاته في كل من: كيف تمت سرقة أسرار المخابرات الأمريكية؟ وما طبيعة الرجل الذي سرقها وكشفها؟ وما الدوافع التي جعلته يقوم بعمل كهذا؟ ويشير الكاتب إلى أنه من الواضح أن الاستعانة بمصادر خارجية والتي تشكل أجزاء من الجهاز الأمني، تضع الحكومة ومعلوماتها السرية في موقع معرض للاستيلاء عليها.. كما يتساءل: كيف سعى سنودين إلى العمل للحصول بطريقة سهلة على المواد السرية الأكثر حساسية؟ ولا يجد أن سنودين قام بخدمة مواطني بلاده، كما يدعي، بل يوحي أن العملية تمت وفق ارتباطات خارجية عن طريق مخابرات سرية.
في عام 2014، نشر الصحفي إبستين، مقالة في «وول ستريت جورنال» اقترح فيها طريقة أخرى للنظر في قضية سنودين وهي: كجاسوس. كتب إبستين أن «عضواً سابقاً في حكومة الرئيس أوباما»، من دون أن يذكر اسمه، قال له «أن هناك ثلاثة تفسيرات محتملة فقط لسرقة سنودين وهي:
1- كانت عملية تجسس روسية. 2- كانت عملية تجسس صينية. 3- كانت عملية صينية – روسية مشتركة. إلا أن هذا الصحفي المخضرم لم يكتف بذلك المقال، بل عمل على هذا الكتاب الذي بين يدينا بشكل مفصل ليكشف فيه عن رأيه ونظرته حيال هذه القضية التي أخذت صدى عالمياً.
ويشير إلى أنه من المعروف أن سنودين كشف أن وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة تتجسس بشكل غير قانوني على المواطنين الأمريكيين، لكنه يقول أنه حصل في الحقيقة على ما يقرب من مليون وثيقة ليس لها علاقة بذلك، ولم يعط أي منها للصحفيين، ويتساءل: ماذا حدث لها؟ كيف يمكن لمتعاقد في الوكالة، دون أن يملك الإذن الرسمي للوصول إلى المعلومات، أن يحصل على وثائق بهذا الحجم؟ ولماذا اختار أن يعلن نفسه للعالم من هونغ كونغ، ولماذا بقي في موسكو منذ مغادرته هونغ كونغ؟

فرضيات

يقدم الكاتب الخطوط العريضة لفرضية متماسكة، يعتقد فيها أنه ربما تم وضع سنودين في وكالة الأمن القومي إما عن طريق روسيا أو الصين، أوعن طريق استخبارات الدولتين معاً. أو ربما بينما كان هناك عمل مع الجهة الأخرى. وربما في هونغ كونغ وضع نفسه تحت رعاية المسؤولين الصينيين الذين استجوبوه على نطاق واسع خلال ما يقرب من أسبوعين. وربما حدث الشيء نفسه في موسكو خلال أول 37 يوماً بعد وصوله هناك، ويبدو أنه قد تم إخفاؤه في مكان ما داخل محيط أمن المطار. وربما مكافأة له، في الواقع، على انشقاقه منح حياة محمية غريبة في روسيا التي احتفت بالجواسيس السابقين مثل كيم فيلبي وغاي بورغيس.
ويعلق الكاتب الأمريكي نيكولاس ليمان في صحيفة «نيويورك تايمز» على ما يطرحه إبستين، ويجد أنه لم يثبت أياً من فرضياته، وبقيت في إطار الافتراضات، ويشير إلى أنه مملوء بالتكهنات، والمصادر المجهولة، ويلجأ إلى استخدام عبارات مثل «يبدو من المنطقي الاعتقاد بأن.. «أو» لا يمكن أن يستغرق الأمر كثيراً للوصول إلى أن..»، ويربط هذا العمل مع كتاب آخر له بعنوان «التحقيق القضائي»، الذي نشره إبستين منذ أكثر من 50 عاماً، تحدث فيه عن شاب غامض قضى وقتاً في موسكو، يتناول فيه عالم التجسس وكيفية مكافحته، يرى ليمان أن روح جيمس جيسوس آنغلتون، رئيس مكافحة التجسس في «سي آيه إيه» خلال سنوات الذروة من الحرب الباردة، أثناء تناول سيرته، تلقي بظلالها على صفحات كتابه، في ِإشارة إلى تأثره في عمله هذا بشخصيات استخباراتية أمريكية.

تناقضات

يتطرق الكاتب كثيراً إلى استكشاف التحولات والانعطافات في قصة سنودين، حيث تم لقاؤه مع المحامي الغامض لسنودين في موسكو، أناتولي كوجيرينا، وعن علاقته مع دولة أجنبية، ومما يقوله: «حتى لو كان الرأي العام الأمريكي المستفيد الجزئي مما كشفه إدوارد سنودين، إلا أن المستفيد الرئيسي هو روسيا». ويظهر فيما يقوله بعض التناقض مثل: «هذه الاتهامات الحادة لم يتم إرفاقها مع أي دليل يثبت أن سنودين تصرف بالتنسيق مع أي دولة أجنبية في سرقة الملفات»، وفي صفحات لاحقة يتطرق إلى هذه الاتهامات الحادة ذاتها، من دون أن ينبذها، ليقول إن «سرقة سنودين لأسرار الدولة.. تطوّر – بشكل متعمد أو غير متعمد – لكن بالضرورة، في سياق مهمة كشف أسرار قومية أساسية لقوة أجنبية».
يبدو أن إبستين استعان في تحليلاته ومناقشاته وانتقاداته بمخطوط لوزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، ويحاول أن يقدم للقراء فكرة أن سنودين بقي في روسيا كنتيجة لصفقة تبادل المعلومات، ويشير إلى أن سنودين وجوليان أسانج الذي سرب وثائق ويكيليكس، ودائرتهما المباشرة من الحلفاء الذين جاؤوا من ثقافة اختراق ليبرالية راديكالية، يبدو أنهم في كثير من الأحيان لا يعتقدون أنه ينبغي أن يكون هناك وكالة أمن قومي في الولايات المتحدة كما هي في شكلها الحالي، سواء بقيت في صيغتها القانونية أو لم تبق، ولكن هذه الثقافة تناقض ما يؤمن به الكاتب، الذي يعد مناصراً قوياً لمهمة وكالة الأمن القومي الرسمية ل «اعتراض وإعاقة الاتصالات»، والتي يراها كعنصر أساسي في قدرة الولايات المتحدة على المشاركة في»لعبة الأمم»، وأحد الدروس المستفادة من حالة سنودين التي يراها الكاتب هي أن اعتماد الوكالة على المتعاقدين من القطاع الخاص مثل سنودين بدلاً من الموظفين المهنيين جعلها عرضة بشكل خطر للخروقات الأمنية.

نقد الإعلام الليبرالي

ربما الدور الذي لعبته وسائل الإعلام في جعل سنودين أحد المبلغين عن خروق المخابرات الأمريكية كان غير منطقي، وهو يأتي كشكل جديد من أشكال الغطاء حسبما يرى الكاتب. ويجد أن سنودين يعتبر بطلاً لليبراليين في كل مكان، باستثناء الليبراليين الذين لديهم معلومات كثيرة حول أفعاله: تقريباً كل أفراد إدارة أوباما وكل ديمقراطي ليبرالي مرتبط مع الاستخبارات، يرى سنودين مجرم أمن قومي خطر.
ويشير إلى أن الإعلام الليبرالي نفسه الذي يشجب الآن صداقة ترامب المزعومة مع بوتين كان متفائلاً حيال إقامة سنودين في موسكو. يجد أن الإعلام لعب دوراً كبيراً في حمايته، وكان الأجدى اتخاذ موقف مختلف حول المعلومات التي سربها.
يعبّر إبستين عن انزعاجه من فكرة أن الصحافة لاعب أساسي في دراما السرية، مفضلاً أن يتم العمل على ما ينبغي أن يعرفه العامة، وليس فضح كل شيء، وقد كتب مقالاً في 1974 بعنوان «هل الصحافة كشفت فضيحة ووترغيت»؟ يجيب: لا. إلا أنه في قضية سنودين، لم تقرر الصحافة ما يجب أن يبقى سرياً، ولا الكونغرس، ولا البيت الأبيض ولا وكالة الأمن القومي، من قرر هو سنودين. يرى الكاتب أن سنودين خدم العديد من الأجندة التي تتعلق بالحرب على صناعة البيانات فيما يتعلق بتدخل الحكومات، والصراع الطويل مع مؤسسة الأمن القومي، وشغف الإعلام بالتسريبات وصناعة الأبطال، من دون الدخول في عمق الحقائق والخفايا التي يراها فقط المتضررون في الاستخبارات الأمريكية والذين تربطهم بها مصالح. (الكتاب صادر حديثاً عن دار «كنوبف دابلدي» في 368 صفحة من القطع المتوسط).

الكاتب في سطور

صحفي أمريكي متخصص في التحقيقات من مواليد 1935، وأستاذ سابق للعلوم السياسية في جامعة هارفارد، وجامعة كاليفورنيا، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. عندما كان طالب دراسات عليا في جامعة كورنيل في عام 1966، نشر كتاب «التحقيق القضائي»، وهو نقد مؤثر في تحقيق لجنة وارن في اغتيال جون كينيدي. كما كتب كتابين آخرين حول اغتيال كينيدي، جمعها في نهاية المطاف في «سجلات الاغتيال: التحقيق القضائي، في وجه المؤامرة، والأسطورة (1992). بنى كتابه «الأسطورة»: العالم السري لهارفي أوزوالد» (1978) و«الخداع: الحرب الخفية بين الكي جي بي والسي آي إيه» (1989) على مقابلات مع رئيس مكافحة التجسس في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» الضابط المتقاعد جيمس جيسوس آنغلتون. وكشف في كتابه «صعود وسقوط الألماس»، الذي أصدره 1982، كيفية صناعة الألماس وأثرها الاقتصادي في جنوب إفريقيا. وبعد التدريس في جامعة هارفارد، وجامعة كاليفورنيا، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قرّر متابعة كتاباته بشكل مهني مرة أخرى في مدينة نيويورك. كان أحد أساتذته خلال مرحلته الجامعية الأولى في جامعة كورنيل فلاديمير نابوكوف. وفي عام 1973، حصل على درجة الدكتوراه في «الحكومة» من جامعة هارفارد. كانت أطروحته في دراساته العليا عن «البحث عن الحقيقة السياسية» التي أصبحت فيما بعد من الكتب الأكثر مبيعاً. وما عدا الكتب التي تحدثنا عنها، له العديد من المؤلفات الأخرى منها: «الأخبار من أي مكان. التلفزيون والأخبار» (1973)، وكتاب «بين الحقيقة والخيال: مشكلة الصحافة» (1975)، و«وكالة الخوف: المواد الأفيونية والسلطة السياسية في أمريكا» (1977)، و«ملف: الحياة السرية للملياردير أرماند هامر» (1996)، «الصورة الكبيرة: المال والسلطة في هوليوود» (2000)، و«اقتصاد هوليوود: الواقع المالي المخفي وراء الأفلام» (2010)، و«حوليات: الجريمة غير المحلولة» (2013)، «يوميات اغتيال جون كينيدي: بحثي عن أجوبة على سر القرن» (2013).

زر الذهاب إلى الأعلى