كيف ننظم المحتوى الإلكتروني؟
فريد بن آمور*
أدى انتشار منصات الإعلام الرقمي إلى نشوء حلول لا حدود لها من حيث إمكانية النفاذ إلى البيانات والمعلومات والوسائل الترفيهية خلال العقد الماضي، وقد أدى أيضاً التطور التكنولوجي الكبير إلى إتاحة المجال أمام المنصات إلى إيصال المحتوى الخاص بهم إلى أكبر قدر ممكن من الناس بدون أن تكون هنالك أي تكاليف إضافية مثلما كان قبل سنوات مضت. ففي العديد من دول العالم، استفادت المنصات الإلكترونية من قلة الأحكام التنظيمية التي تحكم عملها والمحتوى الذي تعرضه على المستخدمين، وانحصار مسؤوليتهم القانونية على ما ينتجونه من محتوى.
وقد كانت المنصات الإلكترونية الحديثة المستفيد الأكبر من الثورة الرقمية الحديثة، لتتخطى بذلك وسائل الإعلام التقليدية التي تسيدت في الماضي، وإن كانت تحتفظ بجزء كبير من مكانتها في وقتنا الحاضر، على الرغم من أنها جميعها لا تزال تحقق أرباحاً ومداخيل طائلة نتيجة للنمو المطرد في أعداد المستهدفين من المحتويات الرقمية وغيرها. يرى البعض أنه يترتب على الحكومات من جميع أنحاء العالم إيجاد أحكام ولوائح تنظيمية أكثر فاعلية في ما تعرضه المنصات الرقمية على وجه الخصوص، والتي تغص بالمحتوى غير اللائق الذي لا يناسب جزءاً كبيراً من الشرائح المستهدفة، فيما يحذر آخرون من أن التدخلات الحكومية يمكن أن تحد من تطور المحتوى المعروض بحيث يكون الإشراف المباشر على المحتوى أمراً غير مرغوب فيه، وهو ما يطرح سؤالا مهما، أي النظريتين أصح؟ وهو السؤال الذي لا يمكن الإجابة عليه إلا بمعرفة بعض الحقائق المهمة أولا.
أولا أن المنصات الإلكترونية تتحكم في المحتوى الذي تعرضه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث إن وسائل الإعلام تسعى بقدر الإمكان إلى الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من صناع المحتوى للحصول على ميزة تنافسية، فيما تسعى منصات أخرى إلى تمييز ما تعرضه من محتوى يعزز من قدرتها على التفوق على المنافسين. ثانياً أن هذا الأمر قد حدث سابقاً، إلا أنه كان بطريقة عكسية، حيث إن المنصات الرقمية هي من تمتلك اليوم صناع المحتوى، وهو الأمر الذي كان بالعكس تماما في السابق، حيث كان صناع المحتوى هم من يتحكمون في المنصات التي يتم من خلالها. بالنظر إلى كل ذلك، فإنه يترتب إيجاد طريقة فعالة وعملية تشترك فيها جميع الأطراف من المنصات والحكومات وصناع المحتوى لضبط ما يعرض من المحتويات غير اللائقة من خلال تشريع أو عرف يتم التعامل به على نطاق واسع حول العالم، بدون أن يكون للحكومات اليد الطولى في ذلك.
*المنتدى الاقتصادي العالمي