كيف هزتكم «وثيقة القيم» بركاكتها؟!
بدر خالد البحر
من المفترض أن يكون مقالنا اليوم لتعرية ممارسات الأحزاب الدينية بالانتخابات وللفت انتباه وزارة الداخلية إلى أن شراءهم للأصوات قد وصل إلى الحد الذي يدفعون مقابلها تعيينات وترقيات بوزارات تحت سيطرتهم لإقناع خصومهم للانسحاب من الترشح أو لكسب مفاتيح انتخابية، ناهيك عن استخدام أموال الجمعيات الخيرية لدعم مرشحيهم، إلا أن ما صاحب نشر ما يسمى «وثيقة القيم» من هجوم وردود أفعال هزت شخصيات وصفحات أولى بصحف رئيسية جعلنا نتريث لنلقي الضوء على قصر نظر البعض، ونقصد المعارضين لها.
أولاً، إن كل من قرأ «الوثيقة» ولم يع أنها دعاية انتخابية لا يجب إعطاؤها أي أهمية، فإن عليه مراجعة نفسه! ونسأل أعزاءنا الليبراليين هل تعتقدون أن من نكث بقسمه أمام الله بجلسة المجلس الافتتاحية قائلاً «… وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله وأؤدي أعمالي بالأمانة والصدق»، فلا هو احترم الدستور والقوانين وراح يلهث وراء مصالحه بلا أمانة ولا صدق، كبعض المرشحين، هل سيلتزم بتوقيعه على شخابيط مكتوبة بورقة سموها «وثيقة القيم» ووضعوا فيها آيات من القرآن ليعطوها أهمية؟! بل هناك صيغتان من الوثيقة، الأولى تسربت وكتب فيها «أتعهد لله ثم للشعب»! فغيروها لتكون «يتعهد للشعب» لتكون أقل إلزاماً، ولو كانوا متدينين بحق لجعلوها «أقسم بالله العظيم»، ولكنها ستكون محرجة أمام الناس لبعض الموقعين عليها وحتى لا تزيد آثامهم لعلمهم بعدم التزامهم.
ثانياً، إن كل من عارض الوثيقة وراح يصفها بالداعشية والإخوانية والأفغانستانية خوفاً من تطبيق الشريعة ومنع الاختلاط لم يتنبه للأسف إلى ضعفها وخوف أصحابها من الحكومة ومن الليبراليين والشارع، فلو أنهم رجال يريدون تطبيق الشريعة، لكان أول بند في الوثيقة هو تعديل المادة الثانية من الدستور لتكون «دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»، لنستغني عن بقية البنود، ولكنها جاءت هشة كأول مادة فيها «تأييد المشاريع والقوانين الإسلامية» بدلاً من تقديم المشاريع والقوانين، بل كيف يريدون إضافة جريمة «سب الصحابة» إذا كان البند قد صيغ بطريقة لا تمانع إلغاء القانون برمته، مما يؤكد ركاكة الوثيقة وضعف من صاغها ووقع عليها.
ثالثاً، إننا نوجه العتب إلى المعارضين من سياسيين ومثقفين معروفين الذين أعطوا كل هذه الأهمية والزخم للوثيقة، وبأنها ستجر الصراعات وتحارب الحريات والدستور بينما لا تعدو أن تكون ورقة لا يعرف الفريق الذي أعدها، ولا يمكن أن نعتد بتغريدة أحدهم بأنه شارك بكتابتها، بينما كان من المفترض عقد مؤتمر صحافي يحضره جميعهم بدلاً من الاختباء وراء حائط دليل خوفهم وعدم خبرتهم وفقدانهم للمهنية، لتتسرب الورقه بصيغتين مختلفتين ناهيك عن الأخطاء الإملائية وبنود هلامية غير واضحة.
بل كيف انطلت هذه الورقة ومرت على كل هذه الجموع التي راحت تنتقدها قبل أن تتأكد من ادعاء أصحابها بأنها لاقت تأييد مئات الدواوين في مختلف الدوائر في حين لم تنشر بمواقع التواصل أسماء تلك الدواوين وتوقيعاتهم عليها بشكل رسمي معلن، لذلك كان الأولى الطعن بنزاهة الوثيقة، ولأسباب عدة ذكرناها بدل عناء الخوض في مضمونها!
خامساً، لقد كان الأولى بالليبراليين والمعارضين مواجهة بعض الموقعين على الوثيقة شخصياً للإطاحة بمصداقيتهم بسبب ممارساتهم المخالفة لبنودها، وذلك عوضاً عن مهاجمة الوثيقة ذاتها حتى لا يتصادم الليبراليون مع مبادئهم بالدفاع عن الحريات، فقد مارسوا حريتهم بالتوقيع كمرشحين عن «التحالف الوطني الديموقراطي» على وثيقة «صوت الكويت» عام 2008، والآن يعارضون حرية أي متدين يكتب وثيقة ويطالب بمشاريع وقوانين إسلامية، ويعتبرونها جريمة داعشية ومناهضة للدستور، بعد أن نفترض أن المتدينين يستندون إلى آية محكمة من القرآن نؤمن بها جميعنا: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» – النساء: 59.
لذلك، كان الأجدر الطعن بمصداقية بعض الموقعين لفضح ممارستهم المخالفة للقيم الاسلامية الموجودة بالوثيقة من تعيينات براشوتية لوكلاء مساعدين وأعضاء هيئات حكومية من الأسرة والقبيلة، وترقيات لموظفين من غير دوام، وتسكينات بقطاعات ولجان بالوزارات لأصحاب شهادات وهمية ومزورة، وعلاج بالخارج لغير مستحقين، ومناقصات وعقود وتعد على المال العام، وهضم وأكل حقوق الناس بالباطل.
لذلك، نقول لربعنا الليبراليين وغيرهم من المعارضين للوثيقة إنكم أنتم من أعطيتموها أهمية كونها لا تعدو أن تكون دعاية انتخابية غير ملزمة للموقعين عليها، صيغت بشكل غير مهني، وكان الأجدر تجاهلها، ونعتقد أنها هزتكم بسبب عنوانها «وثيقة القيم» التي بعد أن نرفع منها الآيات القرآنية لا تعدو أن تكون مجرد ورقة لركاكتها.
***
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.
* نقلا عن ” القبس “