كيف يُبرِّر الغرب حروبه عبر العالم؟
أجامو بركة*
تواصل القوى الغربية، بزعامة الولايات المتحدة، حروبها على بقية العالم، باستخدام مفاهيم دعائية مضللة مثل «مسؤولية الحماية» حماية الشعوب من ظلم أنظمتها من أجل تبرير هذه الحروب العدوانية.
أحد أذكى الأسلحة الدعائية التي تم تطويرها يوماً، هو ذلك القائل بأن دول الغرب القوية بقيادة الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية أخلاقية لاستخدام القوة العسكرية، من أجل حماية حقوق الشعوب من تعسف حكوماتها.
ومبدأ «مسؤولية الحماية» هذا كان دائماً موقفاً قانونياً ملتبساً، ولكن تبريره الأخلاقي تطلب أيضاً انفصالاً نفسياً وتاريخياً عن الواقع الدموي ل500 سنة من تاريخ الاستعمار الأوروبي والأمريكي، بما فيه العبودية والإبادة والتعذيب، الذي صنع «الغرب».
وهذا المشروع الاستعماري الرأسمالي العنيف وغير الشرعي، مستمر اليوم تحت هيمنة الإمبراطورية الأمريكية. وهذا يثير أسئلة حول: من هم الذين يحتاجون إلى حماية؟ ومن هم الذين يحمون شعوب العالم من الولايات المتحدة وحلفائها؟.
إن الرد المنطقي، والمبدئي والاستراتيجي على هذا السؤال، هو أنه يجب على مواطني هذه الإمبراطورية، أن يرفضوا امتيازاتهم الإمبراطورية وينضموا إلى المعارضة ضد النخب الحاكمة، التي تستغل الأيدي العاملة وتنهب الأرض، غير أن ذلك يستلزم رفض «سياسات الهوية البيضاء»، التي يمارسها الحزبان الجمهوري والديمقراطي.
وفي الواقع، المحافظون الجدد كانوا القوة المحرّكة وراء الحرب على العراق. وقد كانوا يدركون أنه من أجل تسويق تلك الحرب، سيكون من الضروري أن يؤمن الأمريكيون بأن الحرب تتعلق بقيم وليس بمصالح. والمحافظون الجدد نفضوا الغبار عن ذلك التبرير القديم، وأعطوا وجهاً جديداً لتبرير الاستعمار الجديد، وهو «عبء الرجل الأبيض» (بمعنى مسؤولية الغرب الحضارية).
والتدخلات العسكرية تُصوَّر على أنها مسعى من أجل تحقيق الحرية والديمقراطية لتلك الشعوب، التي تكافح لكي تكون مثل شعوب الغرب الأبيض. والليبراليون الجدد، طوروا تلك الأفكار إلى مفاهيم «التدخلات الإنسانية» و«مسؤولية الحماية».
والتعبيرات الأكثر جموحاً عن هذا التنافر مع الواقع الحقيقي، ظهرت خلال عهد إدارة أوباما، عندما استخدم المفهوم القائل، بأن الولايات المتحدة هي «أمة استثنائية»، من أجل تبرير مواصلة همجية إدارة جورج بوش، التي سميت ب«الحرب على الإرهاب».
ومع هذا التبرير والتأكيد الشائن ل«الدفاع عن الديمقراطية»، ارتكب المحور المهيمن الولايات المتحدة (أوروبا)، حلف الأطلسي، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أدت إلى موت ملايين الناس، وتشرد ونزوح وهجرة ملايين آخرين، وتدمير دول وشعوب ومدن.
وماذا كانت النتيجة؟ كانت دراستان استقصائيتان أجرتهما مؤسستا جالوب، وبيو، لدراسات الرأي العام، وأظهرتا أن شعوب العالم تعتبر الولايات المتحدة أكبر تهديد للسلام العالمي على هذا الكوكب.
وقبل خمسين سنة، عبّر الدكتور مارتن لوثر كينج، عما هو بديهي وواضح: الولايات المتحدة هي أكبر ممارس للعنف في العالم.
وقال أيضاً إن رأياً عاماً يسمح بمثل هذا العنف، سيصل إلى نوع من الموت الروحي الوطني يواصل جعل الولايات المتحدة خطراً على العالم.
وهذا الموت الروحي لم يتحقق كلياً تماماً. ومع ذلك، فإن القبول ب«حتمية» هذا العنف، وضرورة شن الحرب، هو الآن أكثر وأعمق رسوخاً في الوجدان الجماعي للأفراد في الولايات المتحدة، مما كان قبل 50 سنة، عندما حذر مارتن لوثر كينج، من اعتلال عميق في المجتمع الأمريكي. فطوال الجزء الأكبر من القرن الواحد والعشرين، كانت الولايات المتحدة في حالة حرب.
*ناشط أمريكي من أجل حقوق الإنسان ومنسق المنظمة الأهلية «تحالف السود من أجل السلام»
موقع: كاونتر بانش