كي لا يفسد الملح
خيري منصور
أكثر ما يمكن أن تتعرض له النخب، سواء أكانت سياسية أم ثقافية هو أزمة الثقة بينها وبين الرأي العام، والتي غالباً ما تنتج عن شعور عام بأن النخب ترتهن لمصالح خاصة، أو تتعرض لاستقطاب يفقدها الحد الأدنى من الموضوعية والحياد، هذا مع معرفتنا بأن النخب ليست معلقة في الفضاء، وخارج مدار الجاذبية للواقع بكل أبعاده، ذلك لأنها غير متجانسة، وتعبر عن شرائح وطبقات تنتمي إليها، إضافة إلى ما تمارسه الإيديولوجيات من نفوذ، وما يتردد أحياناً بين الناس، هو أن هناك من النخب من يستطيع القارئ أو المستمع لها أن يحزر كل ما ستقول؛ لأن للكلمات رائحة تسبقها، كما أن للحبر أيضاً رائحة تفتضحه!
وفي غياب الثقة بين منتجي الأفكار ومن يتلقونها، أو بين المرسل والمرسل إليه يصبح الكلام أشبه بنفخ في قربة مثقوبة، ويضيع الجهد المبذول سدى، خصوصاً إذا كان الخطاب موظفاً للتبرير أو الدفاع عن الأخطاء، وأحياناً يحار من يستمع لبعض المحترفين، ويسأل نفسه: هل يدافع هؤلاء عن قضايا وعن مواقف، أم عن مصدر رزقهم؟
لأن استخفاف البعض بالرأي العام بلغ حداً يثير الكثير من الشفقة، المشوبة بقدر من الاشمئزاز.
فالناس ليسوا من السذاجة بحيث يسهل خداعهم، ولا يحتاج ضبط محترفي التبرير والتزوير إلى خبراء في علم النفس. فالأميون بمقدورهم ضبط هؤلاء متلبسين بالتناقض، والقول باستدارة الأرض واستطالتها في اللحظة ذاتها، وبأنها تدور ولا تدور في أقل من ساعة.
خطورة غياب الثقة قدر تعلقها بالنخب ومنهم شهود تتجاوز الأخطاء لتصبح خطايا. فالنخب هي الأدرى بشعاب الواقع المعقد والمنوط بها التوضيح وتبديد الالتباسات، وحين تفقد امتيازها الوحيد، وهو الوعي المشحون بالنزاهة، تتحول إلى عبء أخلاقي وتضاعف من إرباك الرأي العام. ورحم الله من قال، إذا فسد الملح فسد كل شيء.