مقالات عامة

لاجئون ومؤامرة الصقيع

علي قباجه

من لا تتلقفه البحار وتتغذى على جثته السراخس، وهو هارب من جحيم بلاده، الذي حول حياة الاستقرار والانسجام إلى موت يختطف اللاجئين من كل جانب، بفعل الحروب العبثية والاقتتال على اللاشيء، يقتله البرد بسيف الثلج أثناء الفرار إلى الدول المجاورة. مشهد لا بد أن يحيي كل ضمير حي، ذلك الطفل الذي انتشرت صورته وهو مقتول تجمداً مع والدته وإحدى قريباته أثناء محاولتهم اجتياز الحدود من سوريا إلى لبنان. هؤلاء لم تقتلهم القذائف والرصاص بل قتلتهم وخزات الجوع وزمهرير العواصف.
عشرات الضحايا يسقطون يومياً وهم يسيرون في طريق وعرة لعلهم يلقون «الجنة» الموعودة، تلك الجنة التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، فهم يهربون من إذلال إلى إذلال، ولكن بنسب متفاوتة. فاللاجئون السوريون أضحوا يُعاملون كعبء، وكثيراً ما يتعرضون لانتهاكات جمة في بلدان اللجوء، كما يواجهون تمييزاً عنصرياً من بعض المتطرفين، أو الذين يرون أن مصالحهم قد مست، وسط تقصير واضح في استيعابهم من قبل أصحاب القرار، وتوفير الحد الأدنى من معيشتهم.
وفي ظل احتراب داخل بلادهم لا يُعلم له منتهى، يقع على عاتق العرب القيام بواجبهم تجاه هذا الشعب المكلوم الذي تعرض لمأساة القرن، من قتل وتشريد وضياع في المقدرات والمستقبل، وهذا ما وثقه تقرير أوردته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان لفتت فيه إلى أن «اللاجئين السوريين أكثر ضعفاً من أي وقت مضى، إذ يعيش أكثر من نصفهم حالياً في فقر مدقع، في حين يعيش أكثر من ثلاثة أرباعهم تحت خط الفقر»، كما أنهم في الأردن وعدد من الدول الأخرى وصلوا إلى الملايين، ويعيشون في ظروف قاسية جداً، في ظل قلة الدعم الممنوح لهم من المنظمات الأممية والدول.
ولا يقتصر الأمر على الدعم الاقتصادي، فيتوجب وضع آلية لفتح طرق آمنة لهم، وتمكينهم من الفرار بأرواحهم، وتوفير الملاجئ لهم إلى حين البت بأمرهم، وعدم تركهم رهينة لمخاطر الطرق وتجارها، الذين يستعذبون التربح من آلام الناس.
العرب بحكوماتهم وعشرات المنظمات الإنسانية يتحملون مسؤولية أي لاجئ عربي يتعرض لضيم في بلاده، فهم مطالبون بشحذ الهمم لحل الصراعات التي عصفت بالبلدان العربية وحولتها إلى أشلاء وشظايا، وجعلت الغرباء يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة فيها، حيث أصبح لا بد من حلول نابعة من الإجماع العربي، وتخصيص ميزانيات لتوفير الحد الأدنى على الأقل من حياة معيشية كريمة لمن أصبحوا بلا وطن رغماً عنهم.
aliqabajah@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى