قضايا ودراسات

لا تنمية بدون ثقافة

د. حسن مدن

لا يمكن لمجتمعٍ أن ينجز تنمية حقيقية في مجالات الاقتصاد والتطور الاجتماعي، ورفع المستوى المعيشي لأبنائه، في غياب الثقافة الداعمة لخطط التنمية. ونحن هنا نتحدث عن الثقافة في إطارها السيكولوجي العام، الذي يعني التنشئة على قيم العمل والمثابرة والإخلاص والابتكار.
يتطلب ذلك تشجيعاً للأدب والفنون بكل صورها، خاصة في مجالات كالمسرح والسينما وغيرها، وهذا بدوره يستلزم توفير بنية تحتية متطورة للثقافة، من مسارح ومكتبات عامة ومتاحف وقصور ثقافة، وسلاسل الكتب والمجلات المتخصصة، على أن يكون كل هذا موجهاً نحو تأسيس الثقافة الرصينة، التي تخدم خطط التنمية؛ أو بالأحرى تصبح جزءاً لا يتجزأ منها.
هذا يتطلب أيضاً ـ لا بل وأولاً ـ الاهتمام بتطوير منظومة التعليم؛ فأي خطط للتنمية لا تبدأ من النهوض بأوضاع التعليم مآلها الفشل الذريع؛ لأن الحديث هنا يدور عن التنمية البشرية، من حيث هي إعداد للكوادر المؤهلة؛ واسعة الأفق، والمنفتحة على العصر، لا من حيث كونه منجزاً تكنولوجياً متقدماً فحسب ـ وهذا مهم بالطبع ـ وإنما أيضاً من حيث كونه منظومة من الأفكار والتصورات الحداثية البعيدة عن التزمت والانغلاق.
يُذكر أن فرانسيس فوكاياما، عقد ـ في ورقة نشرت في توطئة لكتاب عن «الثقافة وقيم التقدم» ـ مقارنة بين دولتين من دول ما عُرف سابقاً بـ«العالم الثالث»؛ إحداهما في إفريقيا وهي غانا، والثانية في آسيا وهي كوريا الجنوبية، أشار فيها إلى أنه وقع على معلومات في تسعينات القرن الماضي عن البلدين، فأدهشه مدى تماثل الاقتصاد فيهما آنذاك؛ حيث كانا متقاربين، أو شبه متقاربين، من حيث نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي، ومن حيث مدى تماثل قطاعات اقتصادهما في مجال المنتجات الأولية؛ حيث لم يكونا ينتجان سوى القليل من السلع المصنعة، كما كانا يتلقيان مساعدات اقتصادية على مستوى واحد تقريباً.
لكن بعد ثلاثين عاماً، أصبحت كوريا الجنوبية عملاقاً صناعياً احتل المرتبة الرابعة عشرة بين أضخم الاقتصادات في العالم، كما خطت هذه الدولة خطوات مهمة على طريق بناء المؤسسات الديمقراطية، فيما ظلت غانا تُراوح مكانها نفسه تقريباً، ولم يزد دخل الفرد فيها ـ يوم كتب فوكاياما ورقته ـ على خُمس نظيره في كوريا الجنوبية.
عوامل كثيرة لعبت دورها في هذه النقلة بكل تأكيد، لكن المؤكد أيضاً، أن منظومة الثقافة ومنظومة التعليم بالمعنيين اللذين أشرنا إليهما، لعبتا دوراً حاسماً في هذا التحول، وفي هذا كثير مما يمكن تعلّمه.

madanbahrain@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى