لا مجال إلا التطوير
شيماء المرزوقي
في هذه المرحلة تدور حوارات ونقاشات مستمرة في مختلف أرجاء العالم عن الذكاء الصناعي، وأثره الجسيم في البشرية، ومعظم من يكتب ويحذر من خطورة التطويرات في هذا المجال يرتكز على نقطة واحدة تتعلق بتفوق الذكاء الصناعي على الذكاء البشري، مما قد يهدد الوجود البشري، ولكنَّ هناك أصواتاً لعلماء وصناع للتكنولوجيا يبشرون بحقبة أكثر ازدهاراً للبشرية مع الذكاء الصناعي.. إلا أنني أرى أن التحدي الحقيقي للبشرية لا يتعلق بتفوق الآلة على الإنسان؛ لأن المطلوب هو تفوقها وأن تقدم حلولاً لمشاكل تعانيها البشرية منذ الأزل وحتى اليوم، ووقف العقل البشري عاجزاً عن معالجتها مثل الأمراض، ومخترعات ومبتكرات تمكننا من سبر أغوار الفضاء السحيق، وتطور العلوم بصفة عامة.
التحدي الذي أراه يستحق الاهتمام يكمن في الوظيفة والعمل الذي سيغطيه الروبوت، ويلغي معه الحاجة لليد العاملة البشرية، وهذا خطر حقيقي وماثل، فمنذ بداية القرن التاسع عشر دخلت الآلة في معظم الأعمال، وأزالت وجود اليد العاملة؛ لأنها تميزت بساعات عملها المتواصلة ومخرجات وإنتاج دقيق، وهي لا تتوقف لأخذ إجازات، ولا تمرض ولا تحتاج لتأمين طبي ولا لتدريب، ولا تمر بها ظروف نفسية ولا كآبة، فلا يزيد إنتاجها في وقت وينخفض في وقت آخر، في الأعمال اليدوية مثل الزراعة كان واضحاً تسريح الآلاف من العاملين أمام الميكنة التي حلت مكانهم، فلم تصبح الحاجة إلا لموظفين معدودين لمراقبة تلك الآلات وتشغيلها والإشراف على تغذيتها بالمواد اللازمة لتعمل وتنتج.
في هذا العصر يدخل عنصر جديد أكثر خطورة يتعلق بالذكاء الصناعي، ويتوقع معه زيادة في أعداد القوى البشرية التي سيتم الاستغناء عنها، وهذه ليست قراءة في فنجان أو تخرّصات، بل هو الخطر الحقيقي الذي تحدثت عنه الكثير من التقارير والدراسات العلمية، مثل تلك التي صدرت عن شركة الاستشارات الإدارية ماكينزي، التي تحدثت عن أن ثلث القوى العاملة الأمريكية سيفقدون وظائفهم أمام الآلات التي تتمتع بالذكاء الصناعي بحلول عام 2030، وهذا يعني أن 73 مليون عامل أمريكي سيجدون أنفسهم بلا وظائف، لكن الصورة أكثر قتامة إذا نظرنا لساحة العمل في العالم بأسره، حيث يتوقع أن ما يصل إلى 800 مليون عاملة وعامل في مختلف أرجاء العالم سيجدون أنفسهم بلا دخل مادي وبلا وظائف.
أعتقد أن هذا هو التحدي الحقيقي الذي سيواجه البشرية، وهذا التحدي تحديداً سيزيد من تطور العقل البشري؛ لأن اليد العاملة لابد أن تكون أكثر تعليماً وأكثر مهارة، وأن تجد حقول إنتاج جديدة تلتحق بها، هذا التحدي سيكون محفزاً للتطور والتقدم.
Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com