قضايا ودراسات

لسان الطوارقي

يوسف أبو لوز

يتساءل قارئ الشعر العربي الذي تكتبه أقليّات أو قوميات وشعوب دخلت الإسلام، و«دخلت» اللغة العربية، فأصبحت العربية لغة أدب ولغة ثقافة هذه الطائفة من الشعوب. وعلى سبيل المثال، يكتب سليم بركات بالعربية، وكثير من الشعراء الأكراد يكتبون بالعربية في مستوى إبداعي رفيع.
قرأنا شعراً بالعربية لشعراء آشوريين، وشعراء ينحدرون من مرجعيات ثقافية صابئية، وهناك شعراء شركس كتبوا بالعربية.. ولكن عند «الطوارق» بشكل خاص، يندر أن نقرأ بالعربية لشعرائهم. والأبرز بين شعراء الطوارق هو محمد خواد (68 عاماً)، وكل تراثه الشعري بالفرنسية. وعلى سبيل المثال له هذه القصيدة التي نقلها محسن العوني إلى العربية عن الفرنسية، والقصيدة بعنوان: «قافلة الظمأ» ومنها:
«.. انتعل خفّك، وادعس رملاً لم تطأه قدم أي عبد، أيقظ روحك. تذوّق ينابيع لم تحم حولها أية فراشة. أطلق فكرك نحو مجرّات لم يجرؤ أي مجنون أن يحلم بها. تنسّم شذى أزهار لم يغازلها النحل».. إلى آخر القصيدة التي تكشف عن كينونة شاعر أصوله طوارقية، ومولده في النيجر، وثقافته فرنسية.
لكثير من القرّاء العرب شغف كبير بقراءة شعر الأقليات بشكل خاص، أو شعر تلك الشعوب التي خضعت لأسباب سياسية في الغالب، فأصبحت لغاتها وثقافاتها موضع تهديد وحتى انقراض.. مثل الهنود الحمر، وهذا الشغف يمتد بالضرورة إلى الشعر الطوارقي بالعربية.
الباحث الياباني نوبوأكي نوتوهارا، يذكر هذه الحكاية الطوارقية: «أوصى رجل عجوز وهو على فراش الموت ابنه فقال: يا بنيّ، إذا أردت أن تعيش حياة ناجحة، فلا تشرب سوى الماء الطازج، ولا تأكل إلا الطعام الجيّد، ولا تركب غير الجمل الأصيل الممتاز. فردّ الابن قائلاً: يا أبي، كيف يستطيع رجل فقير مثلي أن يفعل ما طلبت؟
قال الأب: تحمّل العطش إلى النهاية، عندئذ كلّ ماء يصبح طازجاً. ولا تأكل قبل أن يعضّك الجوع بقسوة، عندئذٍ يصبح كل طعام شهياً، وامش إلى جوار الجمل حتى يُهدّك التعب، فإذا ركبت أيّ جمل سيكون أصيلاً ممتازاً».
إن في قلب هذه الحكاية الكثير من خيوط الشعر، ولكن من المؤكد أن الطوارق يتداولون حكاياهم وأشعارهم بالطوارقية.. ويقول أحد كتّابهم الكبار، إن الطوارق لم يتخذوا اللثام حماية للرأس من عوامل الطبيعة، ولكن لإخفاء الفم.. لإخفاء عار الفم وهو اللسان؛ أي للحكم بالمنفى على عضلة لئيمة لا تُضْبط.
هل لهذا السبب.. يكتب الطوارق القليل من الشعر خوفاً من اللسان؟. والإمام علي يقول: «المرء مخبوء تحت لسانه».

yabolouz@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى