غير مصنفة

لعبة النظام الإيراني مع الاتحاد الأوروبي

د. مجيد رفيع زاده*

يجب على القوى الأوروبية أن تدرك أن سياسات الاسترضاء تجاه النظام الإيراني، تعرض الاستقرار في المنطقة للخطر.
تقوم وسائل الإعلام الإيرانية، المملوكة للدولة بتغطية مكثفة لسياسة أوروبا إزاء إيران. وتركز العديد من الصحف الرئيسية، على الدعم القوي، الذي يبديه الاتحاد الأوروبي للاتفاق النووي. وقد أبرزت الصفحات الأولى في العديد من الصحف، تصريحات لمسؤولين في الاتحاد الأوروبي، مثل: رئيسة السياسة الخارجية فيديريكا موغيريني، التي وصفت اتفاق عام 2015 بين طهران والقوى العالمية، بأنه «أولوية أمنية رئيسية» لكل من أوروبا والشرق الأوسط.
ويحاول القادة الإيرانيون إظهار القوة، ويتوددون إلى قاعدتهم الاجتماعية المحلية المتشددة، بالإشارة إلى أن طهران تتمتع بدعم دولي وشرعية عالمية. ويسعى النظام أيضاً إلى طمأنة الميليشيا، والجماعات الإرهابية والعملاء الذين يرعاهم، إلى أن طهران لا تزال على الجانب الرابح.
وإضافة إلى ذلك، تحاول الجمهورية الإسلامية إرسال رسالة إلى إدارة ترامب، ومنتقدي السياسة الخارجية العدوانية الإيرانية، مضمونها أن تخفيف العقوبات سوف يستمر، رغماً عن معارضتهم؛ بسبب الدعم من قِبل الاتحاد الأوروبي.
فلماذا يقف الاتحاد الأوروبي إلى جانب النظام الإيراني، بينما تنتقد القوى العالمية الأخرى طهران؛ بسبب سياساتها المزعزعة للاستقرار في سوريا والعراق واليمن؛ وبسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان؟ يرجع ذلك في الغالب، إلى العائدات المتزايدة من خلال الواردات والصادرات.
ولكن ينبغي على الاتحاد الأوروبي، أن يدرك أنه يؤذي مصالحه؛ بإعطاء الأولوية لصفقات تجارية قصيرة الأجل، وللاتفاق النووي، مؤْثراً إياها على المصالح الاستراتيجية والجيوسياسية الطويلة الأجل. فالمؤسسة السياسية الحالية للنظام الإيراني، لم تكن في يوم من الأيام، حليفاً طبيعياً للغرب، ولن تكون أبداً.
فالنظام حكم ديني ثوري متطرف، تأسس على جوهر المبدأ الثوري الأساسي المتمثل في الاعتراض على الغرب ثقافياً وجيوسياسياً واستراتيجياً. ويعتمد بقاء النظام على قيد الحياة، على مشاعره وسياساته المناهضة للغرب.
ولتحقيق طموحاته في الهيمنة، غالباً ما يقوم القادة الإيرانيون بتحولات تكتيكية قد يخطئ البعض في اعتبارها تحولات استراتيجية أساسية. والاتفاق النووي مثال على ذلك. فهذا الاتفاق لا يعني أن طهران قد غيرت سياساتها الجذرية إزاء أوروبا. وكانت قبضة النظام على زمام السلطة في خطر قبل الاتفاق؛ بسبب جولات العقوبات الدولية الأربع المعيقة. لم يجد النظام خياراً سوى التوصل إلى اتفاق مع الغرب- اتفاق يلائم أهداف النظام تماماً: وهي تخفيف العقوبات مقابل وقف النشاطات النووية جزئياً لفترة قصيرة من الزمن. وبعد ذلك، حين ينتهي أجل الاتفاق، يمكن للنظام أن يواصل طموحاته النووية دونما قيود بناءً على انتهاء الشروط مع نهاية الاتفاق.
ويجدُر بالاتحاد الأوروبي، أن ينظر في سياسة إيران طويلة الأجل؛ لأن رجال الدين الإيرانيين الحاكمين، يطبقون سياساتهم على أساس المدى الطويل.
وإضافة إلى ذلك، عند تفحُّص ما تعده القوى الأوروبية تهديداً لأمنها القومي، يمكن للمرء أن يشاهد بصمات النظام الإيراني وراء هذه التهديدات. فطهران متورطة في حرب غير متكافئة، تقوم فيها بتمويل، وتسليح وتدريب ودعم الجماعات الإرهابية والميليشيات المصمِّمة على الإضرار بأمن دول الاتحاد الأوروبي، وإفشال السياسات الخارجية للدول الأوروبية في المنطقة.
وعلاوة على ذلك، فإن سياسة النظام الإيراني طويلة الأجل، قائمة على محاباة روسيا، ودعم مصالحها في المنطقة، والإخلال بتوازن القوى لمصلحة موسكو، لا أوروبا.
ويجب على القوى الأوروبية أن تدرك أن سياسات الاسترضاء تجاه النظام الإيراني، تعرض الاستقرار في المنطقة للخطر. كما أن الصفقات التجارية ودعم الاتفاق النووي تشجع وتمكن المؤسسات المتشددة مثل «الحرس الثوري الإيراني»، و«قوة القدس»، فضلاً عن الإرهابيين ومجموعات الميليشيات العنيفة في جميع أرجاء المنطقة، بما في ذلك في سوريا والعراق واليمن. ومن هنا فإن سياسات الاسترضاء هذه تؤدي إلى مزيد من الراديكالية والعسكرة في المنطقة، كما تؤدي إلى مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي النظام الإيراني.

*عالم سياسي إيراني أمريكي، خريج جامعة هارفارد. موقع: صحيفة «عرب نيوز».


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى