قضايا ودراسات

لغة لا توقف حرباً في ليبيا

سليمان جودة

ما كادت طرابلس الغرب في ليبيا تفيق من قتال، تصاعد لأيام واشتد بين ميليشيات متصارعة على أرضها، فأوقع العشرات بين قتلى ومصابين، حتى كانت الأنباء تتواتر عن هروب مئات من المساجين، فروا من سجن عين زارة الكائن في الضاحية الجنوبية للعاصمة الليبية، في أعقاب عملية شغب واسعة!
وليس واضحاً إلى الآن، ما إذا كان المساجين الفارون قد فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم، وبجهد ذاتي من جانبهم، أم إن هناك مَن فتح الأبواب أمامهم، عن عمد، وحطم الأسوار من حولهم عن قصد، على نحو ما حدث في عدد من سجون القاهرة، أثناء أحداث ما يُسمى «الربيع العربي».. ليس معروفاً على وجه اليقين.
والحقيقة أن وضع حد للمأساة الممتدة على الأراضي الليبية، مرهون بقدرة دول الجوار على إلزام كل طرف من أطراف العملية السياسية في البلاد، بأن يمارس مسؤوليته الوطنية تجاه بلده، بأمانة وصدق، ثم بخشية على مقدرات الوطن من الضياع.
والأمر كذلك مرهون بشيء آخر، هو ذهاب دول الجوار نفسها إلى إقناع الأمم المتحدة، بأن حجب السلاح عن الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، مسألة لم يعد من الممكن استمرارها؛ لأن عواقبها شديدة السوء، على أمن دول الجوار ذاتها، وعلى ليبيا بالسواء.
فمن عجائب السياسة الدولية، أن السلاح المحجوب عن الجيش الوطني، بموافقة ومباركة من منظمة الأمم المتحدة، مُتاح في الوقت نفسه، ومتدفق، على الميليشيات المسلحة بكل أصنافها وتوجهاتها وخلفياتها.. وكأن هذه المنظمة الدولية الأم، التي قامت في الأصل للحفاظ على السلام والأمن الدوليين، لا تنتبه إلى أن حجب السلاح عن جيش ليبيا، لا يخدم السلام ولا الأمن الدوليين بأي حال.
وليس أدل على ذلك، من أن احتدام القتال بين الميليشيات، دفع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، إلى إصدار بيان مشترك من روما، دعت فيه إلى وقف الاقتتال على الفور، ولم تكن الدول الأربع لتفعل ذلك، لولا معرفة حقيقية لديها بالحدود التي يمكن أن تمتد إليها ألسنة الحريق الليبي، إذا لم تصادف مَن يسارع إلى إطفائها.
وربما كان صدور البيان من جانب الدول الأربع، ومن فوق أرض روما تحديداً، مناسبة كافية للدعوة إلى توسيع مفهوم دول الجوار بالنسبة لليبيا، بحيث لا يعود يضم مصر والجزائر وتونس، التي يجتمع وزراء خارجيتها كل فترة، للبحث في الشأن الليبي، وإنما يمتد ليشمل عدة دول أخرى، هي على جوار مباشر وغير مباشر مع الأراضي الليبية.
فالسودان وتشاد والنيجر، على جوار مباشر مع الأراضي الليبية، ويهمها بحكم واقع الجغرافيا، أن تكون ليبيا مستقرة، فإذا لم تكن كذلك، فالأمر يطال دول الجوار كلها؛ لأن عدم الاستقرار كالعدوى عابر للحدود.
وأما إيطاليا فهي بحكم تجارب التاريخ، تقع على جوار غير مباشر، وإن امتد البحر بينها وبين الشاطئ الليبي لخمس مئة كيلومتر، وقد كان صدور البيان الرباعي من فوق أرضها خير دليل.
وكذلك فرنسا، تظل على جوار غير مباشر هي الأخرى، وبسبب هذا الجوار وتأثيراته، كانت هي التي دعت هذا الصيف، إلى مؤتمر ضم القيادات الليبية الفاعلة، وفي ختام أعماله دعا إلى انتخابات ليبية في العاشر من ديسمبر.
وربما يكون منع الوصول إلى هذا اليوم، هو الهدف من وراء معارك الميليشيات التي احتدمت وتحتدم إلى حد ملأ الأفق بعلامات الخطر، رغم الهدنة المؤقتة التي جرى التوصل إليها.
إن دول الجوار مدعوة كلها، إلى إدراك ما أدركته دول الجوار الثلاث الأولى، منذ وقت مبكر، ومدعوة أكثر إلى تجاوز لغة البيانات التي لا توقف حرباً، ولا تطفئ حريقاً.. فليبيا في أشد الحاجة إلى لغة فعل قادرة على إنقاذ الأوطان بخطوات يعرفها جيداً المجتمع الدولي، الذي حجب السلاح ولا يزال يحجبه.
إن الدول التي تمر بظروف طارئة، خصوصاً إذا كانت في مساحة من نوع مساحة ليبيا، تظل تحتاج إلى قوة عسكرية قوية وموحدة ومنظمة، لتحقيق حد أدنى من الاستقرار، لابد منه داخل حدودها، ولم يعرف العالم قوة عسكرية قوية ومنظمة وموحدة، سوى الجيوش النظامية الوطنية.
والحقيقة أن الأمر في ليبيا أقرب إلى المتاهة منه إلى الدائرة، وقد بدأ الطريق إلى هذه المتاهة، يوم أقحم حلف الناتو سلاحه في الموضوع، لا لإسقاط نظام العقيد كما قيل وقتها، ولكن لإسقاط الدولة ذاتها في ليبيا.

soliman.gouda@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى