مقالات عامة

لغتنا هويتنا

فوّاز الشعّار

العربية أمّ اللغات، وتخصيص يوم لها في العام، أمر يسعد أبناءها والناطقين بها؛ فهي لغة القرآن الكريم، وموروث أجدادنا من عذب الشعر والنثر، وهي من اللغات الواضحة بمفرداتها التي تؤدي كل منها غرضها، بدقة، مع وجود المترادفات التي تضيف إليها أو تزيدها وضوحاً، لذلك هي فصيحة، والفصاحة هي الإيضاح والبيان.
وعندما كان يتكلّمها أحد من غير الناطقين بها، كانوا يقولون له: أفصِح، أي وضّح ما تقول. وكان كثير من المشتغلين على نحو العربية وصرفها، من غير العرب، وقد أخلصوا لها أيّما إخلاص، مندفعين بخدمة كتاب الله أولاً، ثم شغفهم بهذه اللغة التي وسعت كل غاية.
وما يدعو إلى القلق والضيق، أن ينتهك العربيةَ أبناؤها، بدءاً من المدرسة التي يتكلّم مدرّسوها كل بلهجة بلده، فيضيع التلاميذ بين المصرية والسورية واللبنانية…وقد شكت إحدى الأمّهات في إحدى المدارس، أنّها لم تعد تفهم من ابنها ما يريد، فمرّة يخاطبها باللهجة السورية، وثانية بالمصرية، وأخرى بالمغاربية، وطلبت أن تتكلّم المعلّمات جميعاً، بالعربية الفصحى، لأنّها لا تريد أن تخسر ولدها، ومثلها كثيرات، منهنّ من يوصّلن أصواتهنّ، وأخريات يخشين ردّ فعل المدرسة ومعلّماتها.
فضلاً عن أنّ طلاباً كُثُراً، لا يستخدمون العربية إطلاقاً، وكأنّ استخدامها مثلبةٌ، تجلب العار.الأنكى والأدهى، وسائل التواصل التي تعجّ بالبلايا اللغوية، فلا استخدام الضمائر صحيح، ولا تفريقَ بين أنتِ و«أنتي»، ولا بين جمع المذكر وجمع المؤنث، ناهيكم بالإملاء الذي وصل إلى الدرك الأسفل. أمّا الشوارع، فحدّث ولا حرج، فاللافتات، والإعلانات، تشعرك أنك في مسرح هزليّ.
منذ عقود طويلة، نادى أدباؤنا وشعراؤنا بحماية لغة الضاد، والوقوف في وجه منتهكيها من أبنائها، سواء في الصحف أو المجلّات أو وسائل الإعلام الأخرى التي يندى الجبين لأخطاء القائمين عليها، وكأنّ أصولهم غربيّة، فلا يعرفون الفاعل من المفعول، ولا تعنيهم أحرف النصب أو الجرّ أو الجزم، وكأنها لم تمرّ بهم، أو يسمعوا بها. وكلّنا نذكر بيت حافظ إبراهيم من قصيدته الشهيرة:
أرى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقاً مِنَ القبرِ يدنينِي بغيرِ أناة ِ
دعوة عاجلة إلى القائمين على أهمّ وسيلتي تواصل إنساني، التعليم والإعلام، بالمسارعة إلى منع الانتهاكات بحق لغتنا، بتنظيم دورات للعاملين فيهما، وتذكيرهم بأساسيات اللغة والنحو والإملاء، وتوزيع كتيّبات أو «أماليّ» تتضمّن الأفصح والأصوب. والمتطوّعون للقيام بهذا الأمر كُثُر، والغيارى على العربية كُثُر أيضاً، فهي الباقية لنا في زمن التردّي، لأنّها هُويّتنا، ومن يُضِع هُوّيته، فلا قيمة لحياته.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى