مقالات عامة

لغز «داعش»!

د. محمد الصياد

في يوم الاثنين الموافق الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول 2017، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بزيارة القاعدة الجوية الروسية في «حميميم» في سوريا، حيث أعلن من هناك «أن القوات الروسية والسورية استطاعت إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي». لكنه استدرك قائلاً: «على الرغم من ذلك ما زالت التهديدات الإرهابية تشكل خطراً كبيراً».
في اليوم التالي، الثلاثاء 12 ديسمبر 2017، وأثناء مراسم توقيعه على مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني، الذي ينص على زيادة ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» إلى 692 مليار دولار للعام المالي 2018، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «أن الولايات المتحدة حققت الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي في كل من سوريا والعراق». لكنه استدرك أيضا قائلاً: «انتصرنا في سوريا، انتصرنا في العراق، ولكنهم (داعش) ينتشرون في مناطق أخرى وأن أمريكا تتعقبهم بنفس السرعة التي ينتشرون بها».
ما من شك في أن الدولتين، روسيا وأمريكا، قد حرَّكتا ووظفتا جزءاً من ترسانتيهما العسكرية الضخمة لمقاتلة مجاميع «داعش» الإرهابية، في سوريا بالنسبة للأولى وفي العراق وسوريا بالنسبة للثانية. وأنهما أسهمتا بدور حاسم في إنهاء احتلال مقاتلي «داعش» لمدن وقرى ومساحات شاسعة من الأرض السورية والعراقية.
ووفقاً لموقع البنتاجون، فإن نفقات الولايات المتحدة على العمليات العسكرية الحالية لمكافحة الإرهاب في سوريا والعراق، والتي بدأت في أغسطس/آب 2014، بلغت 14.3 مليار دولار. ما يعني أن واشنطن تنفق في حربها تلك، 13.6 مليون دولار في اليوم. أما بالنسبة لروسيا، فقد قدرت نائبة رئيس شركة ستراتفورد المتخصصة في الاستخبارات الجيوسياسية، ريفا بهالا، كلفة الطلعات الجوية والغارات التي تشنها الطائرات الروسية على معاقل التنظيمات الإرهابية في سوريا، بنحو مليوني دولار يومياً. وفي شهر يوليو/تموز من العام الماضي ذكر حزب «يابلوكو» الروسي المعارض، أن كلفة النفقات الضخمة التي تكبدتها روسيا خلال تنفيذها العملية العسكرية في سوريا، بلغت حوالي 140 مليار روبل (حوالي 25 مليار دولار)، إلا أن الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال ايجور كوناشنكون فند ما اعتبره الاستنتاجات التي أوردها حزب «يابلوكو» بخصوص النفقات الضخمة التي تكبدتها روسيا خلال تنفيذها العملية العسكرية في سوريا، وقال إنها مختلقة ومحض خيال لا أكثر.
إنما الأسئلة التي ستبقى – في الدوائر الغربية خصوصاً – محوراً للجدل السياسي والإعلامي، وحتى التقاذف الدبلوماسي، المحسوب ضمن قواعد لعبة إدارة المصالح الدائرة بين كبار اللاعبين المتصارعين على مواقع ومصادر النفوذ والثروة في العالم هي: وهل تم القضاء على «داعش» فعلاً؟ وأين ذهبت كل تلك الجيوش الجرارة من المقاتلين الذين جيء بهم بعشرات الآلاف من كافة أصقاع الأرض؟ وكيف اختفت كل هذه المجاميع فجأة من المشهد، إلا من فلول متشردة في القفار العراقية والسورية؟ ومن يسلح «داعش»؟ ومن يسلح «طالبان» أفغانستان وباكستان وباقي تنظيمات «القاعدة» و«داعش» الفرعية؟
موضوع هذه القضية التي تحتل اليوم، ومنذ زهاء خمس سنوات، صدارة أجندات مفاوضات واجتماعات واتصالات وقرارات وتحركات، الأسرة الدولية، بمستواها المتعدد الأطراف ضيق النطاق، ومستواها الأوسع ثنائي وأُحادي الأطراف، العلني والسري – ليس موضوعاً سياسياً خالصاً، كي يكون مفتوحاً لاجتهادات المحللين والمعلقين السياسيين، هنا في بلاد الشرق غزير الإنتاج في هذا المجال، وهناك في الغرب حيث يُقارَب الموضوع بحساسية أمنية سياسية تعكسها هلامية وضبابية تغطياته. ذلك لأننا هنا بالذات بصدد موضوع هو في جوهره استخباراتي بامتياز. فهو من الناحية المبدئية، موضوع سياسي بالضرورة، بل واستراتيجي يطاول كليات الصراع الجيواستراتيجي، ولكنه يُنفذ بأدوات أجهزة استخباراتية أخطبوطية تجهد على رأس الساعة من أجل تحقيق مكسب هنا ومكسب هناك يحققان إعادة تموضع متقدمة ضمن سياقات الصراع الدولي على توسيع دائرة النفوذ والسيطرة.
بهذا المعنى يُرجِّح المنطق مقولة أن تنظيم داعش، وقبله تنظيم القاعدة وتفريخاتهما، الحالية والمستقبلية، ليسوا بضاعة منتجة محلياً، بقدر ما هي بضاعة أجنبية.

alsayyadm@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى