غير مصنفة

لماذا الإمبراطورية العسكرية الأمريكية؟

جاكوب هورنبيرجر*

في مقال ممتاز نشرته صحيفة لوس أنجيلوس تايمز في 2016 بعنوان: السياسة الخارجية الأمريكية، كتبت إليزابيث كوبس، البروفيسورة في جامعة تكساس إيه أند أم، تقول: «في 2013 أظهرت دراسة لمركز «بيو» للدراسات، أن أغلبية من الأمريكيين تبلغ 52% يقولون إن على بلدهم أن يهتم بشؤونه الخاصة «ويترك البلدان الأخرى تدير شؤونها بنفسها. واليوم وجد مركز بيو أن هذه النسبة ارتفعت إلى 57%».
هذه إحصائية مدهشة. فبعد كوارث أفغانستان، والعراق وليبيا وسوريا، يبدو أن الأمريكيين أخذوا أخيراً يتساءلون عن جدوى التدخلات العسكرية الخارجية التي يتورّط فيها بلدهم، منذ الحرب الأمريكية المكسيكية في 1898. وهم يشككون في فكرة أن تكون حكومتهم تعمل كشرطي العالم، فتتدخل وتشن حروباً، وتغتال وتخطف وتغيّر أنظمة.
لقد تأسست الولايات المتحدة كجمهورية ذات حكومة محدودة، تمتنع عن التدخلات الخارجية، ولكن تحولها إلى دولة تتدخل في شؤون الدول الأخرى كان كارثياً، خصوصاً أن ملايين الناس عبر العالم قتلوا وجرحوا بأيدي الجيش الأمريكي، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، في الحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط وأفغانستان، والحروب الجديدة في إفريقيا، وتدخلات «الحرب على المخدرات» في أمريكا اللاتينية، والعلاقات العدائية مع روسيا والصين وكوريا الشمالية ودول أخرى، والغزوات والحروب غير المعلنة في كوريا وفيتنام، والشراكات مع دكتاتوريات غاشمة، والسخط الذي أثاره ذلك في الخارج وأدى إلى تهديد إرهابي دائم، وأزمة هجرة ضخمة، إضافة إلى إنفاق حكومي أمريكي خارج عن السيطرة، ويدفع الحكومة الاتحادية نحو الإفلاس، وتقويض الحرية والخصوصية داخل الوطن، من قبل أجهزة الأمن والاستخبارات في دولة الأمن القومي.
ومن أجل العودة إلى الطريق الصحيح، كل ما يجب على أمريكا أن تفعله، هو العودة إلى مبدأ عدم التدخل الذي كان أساس السياسة الخارجية للجمهورية عند نشأتها. وهذا يعني إغلاق أو الانسحاب من جميع القواعد العسكرية في الخارج (بما فيها القاعدة الموجودة في كوبا)، وإعادة جميع القوات من الخارج إلى الوطن وتسريحها، وإنهاء كل التحالفات والشراكات مع أنظمة أجنبية، بما فيها دكتاتوريات، وإنهاء كل المساعدات الخارجية.
وهذا يستدعي سؤالاً: ماذا يجب أن يكون مصير إمبراطورية أمريكا الضخمة، من القواعد العسكرية داخل الوطن؟. هل يجب أن تبقى قائمة؟.
وهذا يستدعي سؤالاً مهماً من الواضح أنه يجب طرحه، سؤال نادراً ما تناقشه وسائل الإعلام الرئيسية الأمريكية: ما فائدة كل هذه القواعد العسكرية الداخلية؟. وما هو الغرض منها؟. وماذا يفعل العسكريون في هذه القواعد؟.
من المؤكد أن العديد من هذه القواعد يُستخدم لدعم الإمبراطورية العسكرية الأمريكية في الخارج، ولكن إذا تم تفكيك هذه الإمبراطورية، فعندئذ ستصبح هذه القواعد الداخلية العديدة جداً، عديمة الفائدة ويمكن تفكيكها.
واليوم ليس هناك أي خطر خارجي يهدد الوطن الأمريكي، فما جدوى كل هذه القواعد العسكرية؟. وهل هناك خطرُ تعرّضِ الولايات المتحدة لغزو خارجي؟. هذه إمكانية معدومة. فما من دولة في العالم لديها القدرات العسكرية والقوة البشرية، ولا حتى الرغبة، لغزو الولايات المتحدة. وطبعاً، هناك أعداء الإمبراطورية الأمريكية المعلنين رسمياً: روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، ولكن كل هذه الدول تفتقر للقدرات العسكرية والمالية اللازمة لغزو الولايات المتحدة.
وعلى كل حال، معظم أنظمة هذه الدول مفلسة حتى أكثر من الحكومة الأمريكية، وليست هناك أي إمكانية لأن تستطيع قوات نظام أجنبي، اجتياز المحيطين الأطلسي والهادي، من أجل غزو الولايات المتحدة.
وماذا عن الإرهاب؟. إن الإرهاب المعادي لأمريكا يعود في جذوره إلى السياسة الخارجية الأمريكية التدخلية، فإن أنهينا تدخلاتنا في الخارج، تنتهي مشكلة الإرهاب المعادي لأمريكا.
فالولايات المتحدة تحولت إلى دولة أمن قومي من أجل شن حرب باردة ضد «الشيوعية الملحدة»، ولكن الحرب الباردة انتهت في 1989؛ ونظراً إلى أن مبرر وجود المجمع العسكري الصناعي الذي تحدث عنه الرئيس إيزنهاور قد زال في 1989، فيجب إذاً تفكيك الإمبراطورية العسكرية الأمريكية.

*حقوقي أمريكي أسس ويترأس موقع «مؤسسة مستقبل الحرية»

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى