غير مصنفة

لماذا تبني الصين قاعدة عسكرية في أفغانستان؟

بيتر كورزون *

بينما لا تزال الولايات المتحدة غارقة في المستنقع الأفغاني، تسعى الصين إلى توسيع نفوذها وروابطها مع أفغانستان في إطار مشروعها العالمي الطموح «حزام واحد، طريق واحد».

تحاذي ولاية بدخشان الأفغانية إقليم شينجيانغ الصيني، الذي يتمتع بحكم ذاتي، وتعيش فيه أكثرية من الأويغور المسلمين. وهذا الإقليم كان في الماضي حلقة على طريق الحرير القديم. واليوم، أصبح هذا الطريق جزءاً من مبادرة الصين الكبرى «حزام واحد، طريق واحد»، التي تشمل مشروعات بنية تحتية كبرى في آسيا الوسطى وأفغانستان.
وأفغانستان تحوي في باطنها مكامن كبيرة من المواد الخام، التي يمكن أن تستوردها الصين. وفي الوقت الراهن، تستثمر الصين 55 مليار دولار في باكستان المجاورة؛ لبناء ممر اقتصادي يمتد حتى بحر العرب.
ومبادرة «حزام واحد، طريق واحد» ستحفز الاقتصاد العالمي، وتفيد أفغانستان أيضاً. والصين هي الآن أكبر شريك تجاري لأفغانستان، وأكبر مستثمر في مشروعات هذا البلد. ولهذا فإن استقرار أفغانستان يمثل مصلحة صينية – في وقت يبدو من الصعب أن تحقق الولايات المتحدة هذا الاستقرار. ومنذ 2001، كانت الولايات المتحدة تسعى بكل قوتها العسكرية لتحقيق استقرار أفغانستان، إلا أنها عجزت عن تحقيق هذا الهدف، في حين أن اقتصاد أفغانستان في حالة يرثى لها؛ (حيث تجارة المخدرات هي قطاع الأعمال المزدهر الوحيد). وفوق ذلك، لا تزال حركة «طالبان» تتمتع بقوة كبيرة.
وعدم استقرار أفغانستان يهدد الممر الاقتصادي الصين – باكستان، الذي يشكل حلقة مهمة في مبادرة «حزام واحد، طريق واحد». وتقوم الصين بدور وسيط؛ إذ تحاول تسوية الخلافات بين اللاعبين الإقليميين. وفي 2017، تدهورت العلاقات الأفغانية – الباكستانية مع تبادل الطرفين الاتهامات بدعم المجموعات «الإرهابية» والمسلحة في المناطق الحدودية.
وتنشط في أفغانستان أيضاً «حركة تركستان الشرقية الإسلامية»؛ وهي حركة لمقاتلين من الأويغور في إقليم شينجيانغ الصيني. وقد اكتسب المقاتلون خبرة في القتال؛ نتيجة لخوضهم معارك إلى جانب «طالبان»، ومجموعات مسلحة أخرى. والصين لا تريد أن يعود المقاتلون إلى أراضيها؛ خشية قيامهم بعمليات مسلحة.
وعلى نطاق أشمل، كثفت الصين وروسيا مساعداتهما العسكرية إلى دول آسيا الوسطى؛ لتمكينها من التصدي للمجموعات الإسلامية ومجموعات مسلحة أخرى. وتعتقد بكين وموسكو أن منظمة شنجهاي للتعاون (التي ضمت في البداية الصين، وروسيا، وكازاخستان، وأوزباكستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، ثم انضمت إليها الهند وباكستان، وكذلك تركيا وإيران كدولتين مراقبتين) تستطيع تقديم مساهمة كبيرة في تحقيق تسوية سلمية في أفغانستان. وتسعى الصين وروسيا إلى بناء تجمع إقليمي يضم دول المنطقة ويعمل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان وآسيا الوسطى.
وعلى ضوء جميع هذه الاعتبارات، يبدو أن الصين ترى أن لديها مصالح كبيرة في المنطقة، ما يبرر التزاماً عسكرياً خارج حدودها. وقد أعلن مسؤولون أفغان أن الصين تخطط لبناء قاعدة عسكرية في ولاية بدخشان شمال شرقي أفغانستان. وينتظر أن تبدأ قريباً محادثات بين بكين وكابول حول هذه المسألة. وحسب المسؤولين الأفغان، فإن المناقشات الحالية بين البلدين أسفرت عن اتفاق يقضي بأن يدير عسكريون أفغان القاعدة العسكرية، في حين تقدم الصين الأسلحة والتجهيزات. وبطبيعة الحال، سيقوم عسكريون صينيون بمهمات تدريب. وتوقع مسؤولون صينيون إنجاز بناء القاعدة العسكرية في 2018.
والسؤال المطروح الآن هو: إلى أي مدى ستذهب الصين في مشروعها هذا؟. حتى الآن، اقتصرت الأنشطة العسكرية الصينية على عمليات خاصة تقوم خلالها وحدات عسكرية بأعمال دورية في منطقة ممر واخان (وهو شريط ضيق من أراضي تمتد من شمال شرق أفغانستان إلى الصين). وبناء قاعدة عسكرية في بدخشان سيشكل خطوة مهمة تبين أن الصين مستعدة لتوسيع وجودها في أفغانستان، وحتى لتأمين وجود بديل للولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، تملك الصين ورقة قوية تفتقر إليها الولايات المتحدة، هي علاقاتها الجيدة مع روسيا وباكستان. كما أن الصين تتمتع بدعم منظمة شنجهاي للتعاون.

* خبير في شؤون الحروب والنزاعات – موقع «استرتيجيك كلتشر»

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى