لمراجعة مرحلة ومواجهة مرحلة
علي جرادات
رد قادة الاحتلال وواشنطن بعدائية وغطرسة على خطاب الرئيس الفلسطيني أمام مجلس الأمن، ذلك رغم تمسكه بالمفاوضات خياراً وحيداً لحل الصراع. هذا يؤكد أن المطلوب أمريكياً و«إسرائيلياً» هو استسلام الفلسطينيين. ومندوبة واشنطن في هيئة الأمم المتحدة لخصت الأمر، حيث خاطبت الرئيس الفلسطيني بالقول: «قرارنا بشأن القدس ونقل سفارتنا إليها لن يتبدل، سواء أحببته أو كرهته». أما رد وزارة الخارجية الأمريكية بالقول: «إن الولايات المتحدة ستدرس تأييد مشاركة دول أخرى في محادثات السلام…»، فيشي بمحاولةٍ لتجديد التحكّم الأمريكي بملف القضية الفلسطينية، أي العودة من النافذة بعد الخروج من الباب، عبر التقاط مطالبة القيادة الرسمية الفلسطينية بمشاركة كل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن في رعاية المفاوضات، علماً أن رعاية مفاوضات «مدريد أوسلو» كانت، (بالمعنى النظري)، ثنائية، (أمريكا روسيا)، ثم رباعية، (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وهيئة الأمم المتحدة). أما نتائج الصيغة الشكلية ل«الثنائية» و«الرباعية» فباتت معروفة، ولن تتغير، حتى لو صارت رعاية بصيغة (5+1)، أو (5+2)، ف«إسرائيل» لا تعترف إلاّ برعاية واشنطن التي تتبنى مواقفها بشكل مطلق.
هذا يعني أمرين، الأول: أن مواجهة الخطة الأمريكية هي مواجهة مع الاحتلال، أيضاً، وأولاً، وأساساً، وإلا كيف نفسر أن 25 عاماً من التفاوض لم تفضِ حتى إلى «حل الدولتين»؛ فما بالك أن يتحقق، بالتفاوض، كامل «البرنامج المرحلي»/ العودة والدولة وتقرير المصير؟ ما يفتح على السؤال حول إذا ما كانت إمكانية التسوية السياسية للصراع مع هذا الاحتلال الاستيطاني الإحلالي واردة أصلاً. أما الثاني: فهو أن الفلسطينيين دخلوا مرحلة جديدة لا يستقيم أمر إدارة الصراع فيها إلاّ بإجراء مراجعة سياسية شاملة للمرحلة السابقة. فالرفض الفلسطيني لمؤامرة «صفقة القرن»، على أهميته، لا يستقيم إلاّ ببناء سياسة بديلة ل«أوسلو»، يُشتق منها خطة عمل، وخارطة مهام نضالية، لاستنهاض الشعب الفلسطيني، ورص صفوفه، وتوحيد جهوده، وتفجير طاقاته، وإطلاق العنان لإبداعاته ومبادراته، واستقطاب الدعم الخارجي المنتظم متعدد الأشكال والجنسيات لصالح نضاله التحرري، وقضيته العادلة، وحقوقه المشروعة.
أما تحديد معالم المراجعة المطلوبة، وأسس المواجهة القائمة، فيتطلب الاستناد إلى دروس التجربة الفلسطينية، بخاصة، وتجارب جميع حركات التحرر الوطني، بعامة، كدروس لا يمكن، ولا ينبغي، القفز عليها، أو تجاهلها، ولعل أهمها:
في إدارة حركات التحرر الوطني للصراع مع المحتلين والغزاة لا «يجوز أن ينتهك التكتيك الإستراتيجية»، أو أن يُعتمد «تكتيك واحد لكل زمان ومكان»، بل «التكتيك الملموس للظرف الملموس»، اتصالاً بأن «التعاسة في السياسة هي ألا يواكب الذهن تحولات الواقع».
وفي التفاوض، لا يجوز التعامل معه إلاّ بوصفه مجرد شكل بين أشكال كثيرة للنضال السياسي، كما لا يجوز التخلي خلاله عن أوراق القوة، ولا تقديم التنازلات المجانية المتسرعة، ولا إغفال أن ما يحدد نتائج كل تفاوض هو ميزان القوى.
لكن، ومنعاً لكل التباس، فلنقل: إن الكلام أعلاه لا يعني الدعوة إلى مغامرات فلسطينية غير محسوبة، بل دعوة إلى تأكيد أن أدنى المطلوب فلسطينياً لمواجهة المخاطر والتحديات القائمة هو تنفيذ قرارات «المجلس المركزي»، القاضية بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، و(تعليق الاعتراف ب«إسرائيل»)، والتحلل من التزامات أوسلو السياسية والأمنية والاقتصادية. أما سياسة التلويح بتنفيذ هذه القرارات فسياسة انتظارية، لن تحصد سوى الخيبة، وتعطيل توحيد الصف الوطني، فيما لا ميزان القوى الداخلي، ولا جسامة المخاطر المحدقة بالقضية الوطنية، ولا الدعم الشعبي الواسع لاستعادة الوحدة، يتيح استمرار نهج التفرد في اتخاذ القرارات الوطنية المصيرية في محطة فارقة من محطات المواجهة المفتوحة مع الاحتلال.
ali-jaradat@hotmail.com