لن تُلْوى ذراع مصر
يوسف أبو لوز
ليست هذه المرة الأولى التي يتوجه فيها توحش «داعش» إلى مدنيين عزل في بيوت العبادة، ولكنها المرة الأولى الأكثر دموية في مسجد الروضة في العريش.. موت جماعي يحصد المئات من القتلى والجرحى في نحو خمس دقائق فقط، وبأسلحة نارية ثقيلة بينها ال «آر. بي. جي» الذي يقول العسكريون إنه سلاح مضاد للدبابات، فما بالك عندما تتوجه قذيفته إلى إنسان «بين شهداء الروضة 27 طفلاً»، ولا يستبعد أن تكون قذيفة «آر. بي. جي» قد أصابت أحد الأطفال.
جريمة تتجاوز الخيال البشري نجم عنها يُتم جماعي أيضاً.. وبكاء شعبي عام وترمل حزين ودموع يمكنها أن تحفر نهراً بالقرب من النيل.
ربع منطقة الروضة بلا سكان.. وعشرات العائلات بلا رجال في موكب تراجيدي إلى عشر مقابر استغرق دفن الجثث خمس ساعات.
هذا هو المشهد الخبري المباشر الذي لابد من توثيقه في مقالة أو في تحليل أو في تعليق ليس لكي لا ننسى فقط، بل، لكي يتحول الرقم إلى لغة حية دوماً في الضمير والذاكرة والعقل.
جريمة وحشية سادية بكل المعايير النفسية والوجودية وقعت في بضع دقائق، في حين أن بعض الحروب الصغيرة، وبعض المعارك الكبيرة على مدى أيام وأسابيع وحتى على مدى شهور أحياناً لا يقع فيها قتلى وجرحى بعدد شهداء الروضة.
فتح المجرمون النار في وقت محدد من الصلاة وهي فترة خطبة الجمعة حيث يتوجب على المصلي أن يحضر الخطبة التي يتلوها قيام الصلاة، وبكلمة ثانية، فوقت إطلاق النار محسوب بدقة وهو الوقت الذي يجمع أكبر عدد من المصلين.. إذاً تخطيط بأعصاب هادئة، ونار كثيفة بأسلحة ثقيلة انسكبت منها النار على وجوه وصدور المصلين، من نوافذ المسجد في لحظات الركوع والسجود، وإذ كانت النار قد انطلقت من النوافذ، فهي قتلت الضحايا من أعلى وبشكل عمودي تماماً على رؤوس المصلين.. ومرة ثانية: تخطيط منظم دقيق، وبأعصاب هادئة.. وقلوب ميتة.
بهذه البشاعة الإجرامية تنتفي تماماً أي صفة دينية عن تنظيم إرهابي من ألفه إلى يائه.. إذ كيف نفهم قتل مدنيين أبرياء وهم يؤدون فريضة الصلاة في مسجد في يوم جمعة؟؟
هذا أولاً، وثانياً:.. أي إنسان سواء أكان مسلماً أم مسيحياً هو هدف للقتل بلا أي وازع وبلا أي عقل، ودماء الشهداء المسيحيين في حادثة الكاتدرائية المرقسية في عام 2016 وذهب ضحيتها أكثر من 25 قتيلاً لم تجف بعد.. كما هي بريئة وضحية الدماء المسيحية في حادثة كنيسة القديسين في الإسكندرية في عام 2010.
الدم المسلم والدم المسيحي يتعانقان ويختلطان في مصر التي ستواجه الإرهاب بالقوة، والصبر، والثقة بالنفس، كما الثقة بشعب مليوني في أم الدنيا.. التي هي اليوم أم الشهداء.
مذبحة الروضة لن تلوي ذراع مصر، وإذا كانت الجريمة أكبر من الكلام، فهي كذلك فعلاً، لكن ردود فعلها ونتائجها الاجتماعية والسياسية والنفسية ستكون أكثر من إيجابية لمصلحة روح مصر، وعلى المدى القريب..