قضايا ودراسات

ليبيا.. الاحتراب والتوافق

علي قباجه

في غمار الوضع الأمني المُزعزع أصلاً في ليبيا، تعود المشاهد الحربية للواجهة مرة أخرى، معلنةً نسف الاتفاقات كافة، والرمي بها في مهب الريح، حيث أعلنت الفصائل المتحاربة تغييب صوت الحكمة، قائلة لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص، معيدة الساحة الليبية لسيناريو ظن العالم أنها تجاوزته إلى غير رجعة، وأن التوافق بدأ يأخذ طريقه إلى المشهد الليبي، إلا أن أزيز الرصاص، وانتشار الدبابات في شوارع العاصمة طرابلس بدد الأحلام، وجعل ما حسبه الليبي المتعطش للاستقرار والأمن سراباً لا أمل منه، لتعود ليبيا من جديد ساحة للقتل والدمار وتهجير للناس من بيوتها وفرار المئات من السجناء إلى الساحات، ليمارسوا القتل والسلب والنهب، وكأن الذاكرة الليبية تعود لمشاهد 2014، حيث حذرت الأمم المتحدة الأطراف الليبية كافة من العودة إليها في حال استمرارها بما عقدت عليه العزم من التناحر مرة ثانية.
اللافت للنظر هو التحرك الدولي السريع تجاه ما يحدث في ليبيا، فمن إيطاليا إلى فرنسا إلى دول أوروبية عدة، أخذ المشهد الليبي يتصدر المناقشات والمشاورات، إلى جانب التهديد، الذي أُطلق من عواصم عالمية عدة والأمم المتحدة، لكافة الفصائل إن لم تُحكم صوت العقل، وتجري الانتخابات في موعدها المقرر في العاشر من ديسمبر/كانون الأول. ولعل التصريح الأقوى، الذي صدر عن السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر يختصر الرؤية العالمية، الرافضة لأي اقتتال في ذلك البلد الإفريقي.
وليس ما حدث من حراك عالمي جاء من قبيل المصادفة، ففي نهاية الأمر كلٌ يغني على ليلاه، وليالي الغرب بصورة عامة تحكمها المصالح البحتة، لذا تأمل بعض عواصم الغرب في العودة بليبيا إلى مربع الأمن والاستقرار، لأن ذلك بلا شك ستعود فوائده عليها من جوانب اقتصادية وسياسية عدة، أولها أن ليبيا تسبح فوق بحر نفطي هائل، وهذا بحد ذاته يشكل مطمعاً للعالم بأسره، ولن تتمكن الشركات النفطية الغربية من الاستمرار في عمليات التنقيب والاستفادة من المخزون الليبي إلا في حال استقرت الأوضاع الليبية، وعادت الأمور إلى نصابها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تسعى الدول الأوروبية إلى الحد من موجات اللجوء، التي تجتاح شواطئها يوماً بعد آخر، في ظل احتجاجات في كافة مدن القارة، تطالب بطرد اللاجئين، إلى جانب الحركات الشعبوية المنتشرة هناك، التي تمارس بدورها أعمال الكراهية ضد كل ما هو غير أوروبي، وهذا يجبر الدول الأوروبية أن تضطلع بمسؤولياتها تجاه ليبيا، لاسيما فرنسا وإيطاليا لجهة قربهما من الشواطئ الليبية.
الأمم المتحدة وعلى لسان مبعوثها في ليبيا غسان سلامة حذرت الأطراف المتناحرة كافة هناك من مغبة الاستمرار في الأعمال القتالية، داعية إياها إلى العودة لطاولة المفاوضات، لأن الاقتتال سيعطي ذريعة للتنظيمات الإرهابية، وخاصة «داعش»، الذي ينشط في مناطق عدة، للعودة إلى ليبيا مجدداً، وهو ما سيجر ويلات ستطول بادئ ذي بدء المواطن الليبي في أبسط مقومات حياته، وهو ما ظهرت بعض تداعياته، عندما انقطعت الكهرباء وأغلق المطار الوحيد الذي يعمل هناك، فهل ستغلب هذه الأطراف الحكمة بانتخابات 10 ديسمبر؟ أم أن غد ليبيا سيكون مظلماً ويتجه نحو المجهول؟

aliqabajah@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى