ليلة حلم
مارلين سلوم
كيف يكون الفن سلاحاً تحمله في وقت الأزمات؟
كيف يكون الفن اعتزازاً ونصراً وفخراً تتباهى به أمام العالم؟
كيف يكون الفن هو الحق وهو الكلمة التي تحكي للأجيال عن الأوطان، وترسم صوراً للماضي الذي كان، وللغد كيف له أن يكون؟
حين تكون في حضرة فيروز والرحابنة، تتدفق الأجوبة من ينابيع الكلمات والشعر والأنغام والموسيقى، ومن الصوت الملائكي الذي تسمعه صدى لا يفارقك. وكيف يفارقك وقد اختلط بدمك وتغذيت منه وتطهرت به نفسك منذ طفولتك؟
نعم، في حضرة الرحابنة كنا، ليلة فتحت «دبي أوبرا» أبوابها لتستقبل جمهوراً أتى للاحتفال مع القنصلية اللبنانية والجالية باستقلال لبنان ال75. ليلة أرادوها أن تكون رسالة إيمان بالوطن، ووفاء للإمارات واحتفاء بيومه الوطني ال47.
صدق الإخوة مروان وغدي وأسامة الرحباني بتسميتها «ليلة حلم رحبانية»، وكأنهم كانوا متأكدين من مفعول سحر تلك الأمسية على كل الحاضرين بلا استثناء، وبقدرتها على حملنا من مقاعدنا إلى «خلف الغيم».
عاصي ومنصور وفيروز، أعمدة التراث الغنائي اللبناني كانوا أعمدة ليلة الحلم على مسرح الأوبرا، الذي تكلل بأغاني المجد والعنفوان والحب والطفولة.. هبة طوجي، إيلي خياط وسيمون عبيد عاشوا الأغنية الرحبانية ولم يغنوها بالصوت فقط. أصوات رائعة طبعاً، وإنما الأجمل هو إحساسهم بالكلمة واللحن وأهمية الجواهر التي يقدمونها لنا من أرشيف المدرسة الرحبانية الخالدة.
جميلة أيضاً كلمات غدي، الذي أثبت كأخويه أسامة على البيانو ومروان في الإخراج، أنهم أمناء على هذه الثروة الفنية التي لا تقدر بثمن، ويبنون عليها ويكملون الرحلة صعوداً. عن وطن عاصي ومنصور وفيروز حدثنا غدي، ونحن الذين ولدنا فيه وكنا وما زلنا تلاميذ أوفياء على مقاعد مدرستهم، نردد الأناشيد والأغاني، ونحلم.. تصفعنا الحياة بواقع مختلف، مرير لا يشبه «المحبة» ولا مكان فيه للبراءة، لكننا نصرّ على إكمال الحلم، ونرحل على متن صوت فيروز من جديد.
الليلة الرحبانية لم تغب عنها مجموعة من أعمال إلياس الرحباني، وغنت طوجي بعضاً من أغنياتها الخاصة وأجملها «مين اللي بيختار» كلمات غدي وألحان أسامة الرحباني. حضور أوركسترا راديو كييف بقيادة المايسترو فلاديمير شايكو، مع فرقة الآلات الشرقية من لبنان، منح الأمسية طابعها الأوبرالي الضخم، ليكتمل الحفل شكلاً ومضموناً ونجاحاً.
ليلة عكست رقي الاختيار للاحتفال باستقلال لبنان على أرض الإمارات؛ زادت اللبناني فخراً بفنه وأصالته، والأهم أنها أكدت أننا نستطيع الالتزام بالذوق الرفيع لنعيد تهذيب أذواق الناس وخصوصاً الأبناء، الذين هم أيضاً سحرتهم «ليلة الحلم» تلك، وخرجوا من الأوبرا مبهورين، سعداء لا يعرفون لماذا وكيف تسلل إليهم هذا الإحساس بالسكينة والهدوء النفسي؟
مهم جداً أن نحيي التراث الفني العربي العريق، وننشر الفرح عبر الغناء والإحساس بالموسيقى وسمو الكلمات.
marlynsalloum@gmail.com