مأزق عفرين

د. حسن مدن
يبدو منطقياً أنه ليس لدى فلاديمير بوتين سبباً وجيهاً لتأييد عملية طيب رجب أردوغان في عفرين السورية، فأولويات بوتين الذي نجح في بناء توافق روسي تركي إيراني حول الملف السوري ليست هي نفسها أولويات أردوغان، وقد لا تكون أيضاً أولويات إيران.
ومنذ البداية كانت واضحة هشاشة «التوافق» بين البلدان الثلاثة، الذي فرضته معطيات ميدانية وسياسية، عجلّ منها الاعتقاد الراسخ لدى أردوغان بأن واشنطن ضالعة في محاولة الانقلاب الفاشلة على حكمه، ما جعله يفقد الثقة في الموقف الأمريكي، ويختار اللعب بالورقة الروسية، انطلاقاً من سوريا بالذات، وهذا الحساب قاده إلى التفاهم مع طهران أيضاً، بوصفها طرفاً في الحرب الدائرة هناك.
الأنسب من وجهة نظر بوتين هو إغلاق جبهات القتال المفتوحة مع المعارضة السورية، في الغوطة الشرقية، وفي إدلب بوجه خاص، من أجل إزالة ما تبقى من عثرات بوجه الحل السياسي الذي ترعاه موسكو، وهو حل أقل بكثير من توقعات المعارضة السورية، لكنها، في وقت من الأوقات وجدت نفسها مضطرة لمسايرة ما يجري من ترتيبات بعد أن أيقنت أن تركيا لم تعد على موقفها السابق.
لم يمض أردوغان حتى النهاية، في حدود ما هو ظاهر الآن على الأقل، مع الروس والإيرانيين، واستعجل فتح معركته في عفرين، مدفوعاً بعدة غايات، بعضها له علاقة وثيقة بالوضع التركي الداخلي وموقف أنقرة من المسألة الكردية داخل تركيا نفسها بدرجة أساسية.
ظنّ أردوغان أن معركة عفرين ستكون سريعة وحاسمة، وستفرض أمراً واقعاً جديداً، ينهي الوجود المسلح للأكراد، ويُمكن حلفاءه في الجيش الحر وسواه من التمدد في تلك المنطقة، لتحسين شروطهم في التسوية المنشودة، وتقوية التأثير التركي في الوضع الداخلي السوري مستقبلاً، أي ما بعد التسوية، في حال تمت.
قال الروس والإيرانيون كلاماً ناعماً في رفض العملية العسكرية التركية في عفرين، لكنه، على نعومته، لم يخف امتعاض الطرفين منها، الذي انعكس على شكل فتور في العلاقات بين أطراف الاتفاق الثلاثي الهش، خاصة مع تنفيذ عمليات عسكرية نوعية ضد الوجود العسكري الروسي في سوريا، بينها استهداف قاعدة حميميم، ثم إسقاط طائرة عسكرية روسية فوق إدلب، ما أثار ريبة الروس في الجهة التي أوصلت صواريخ نوعية للمعارضة.
سرعان ما اكتشف أردوغان أن العملية العسكرية في عفرين ليست نزهة، وأنها ستطول وتجر عليه خسائر عسكرية وسياسية، وهو عامل سيصب في مصلحة بوتين مجدداً، مستغلاً حقيقة أن ظهر أردوغان بات مكشوفاً.
madanbahrain@gmail.com