قضايا ودراسات

مأساة الدماغ كمستودع بضائع

عبد اللطيف الزبيدي

لماذا تخاف المناهج العربية تغيير مسارها؟ سيقول واضعوها: إن القرار السياسي لم يصدر. هم صادقون، فكيف يؤسس التعليم على العقل الناقد، وتقاليدنا الذهنية ترى النقد مروقاً؟ ثم كيف يدعو المتشدقون بالتطوير، إلى ربط التعليم بالتنمية، بينما التنمية أخت الغول والعنقاء؟
المناهج العربية السائدة، تصب في أدمغة الدارسين عبوات معلومات طوال سنوات الدراسة، والامتحان هو أن يبرهنوا على أنهم احتفظوا بها مملوءة من غير نقصان، كساعة صبِّها أول مرة، والويل لمن أضاع منها قطرة أو حبة، فالجزاء الرسوب والإخفاق. عندما ينهي جيل تعليمه، يدخل الوظيفة، إن نجا من البطالة والتهميش، يمارس عمله كآلة: التنفيذ بلا كيف ولماذا. الأسرة والتعليم والمجتمع، سلسلة متدرجة تصاعدية في عملية إبطال مفعول الفكر والرأي والتعبير. لا أحد يسأل: لماذا تتخلف أكثرية البلدان العربية؟ لماذا يتقدم غيرها؟
من دواعي الحيرة، ترك النقد لآخر الثانوية والجامعة، كدراسة نظريات لا كممارسة ذهنية! في حين أن دماغ الطفل مستعد تماماً للتمييز والتأهيل للرأي والتعبير والنقد، واختبار المادي والمعنوي وتنمية الخيال والإدراك، منذ الحضانة. منذ الرابعة تعمل اليدان باقتدار في التجاوب والتنسيق مع الدماغ، في تدرج متسارع، في الخط والرسم والعزف والشطرنج (رباعية كونفوشيوس التربوية)، مع إضافة الحاسوب، ويظل الأساس والجوهر، فتح آفاق الذهن على منظومة العلوم المختلفة المتعددة، التي سينمو بها ألف جناح لدوافع الاكتشاف والطموح إلى الابتكار والاختراع.
عندما سئل أينشتاين: كيف استطعت الإتيان بكل هذه النظريات الخارقة؟ قال: «لأنني كنت دائماً ساذجاً أطرح على نفسي أسئلة طفولية. في الخامسة عشرة تخيلتُ ما يمكن أن يحدث لو كنت راكباً حصاناً يعدو على طريق هو شعاع الضوء». بعد أكثر من عقد وجد الجواب فيزيائياً!
مجموعة النصوص في مقرر العربية، بعد غربلتها على أيدي المتخصصين نقدياً وتربوياً ونفسياً، يجب أن تكون بالدرجة الأولى ميداناً لتربية العقل الناقد لدى التلاميذ والطلاب: ما رأيهم فيها؟ ما هي قيمتها وقيمها؟ ماذا لو قلنا عكس مدلولها ومضمونها؟ ماذا لو غيّرنا مفاتيح مفرداتها؟ أين أصاب القائل وأين أخطأ؟ كيف نتصور حياة المجتمع إذا طبّق الجميع هذه المقولة، أو البيت أو المثل أو النص؟ أما الإحساس بجمال اللغة، فلا شيء أجمل من التذكير بمقولة موتزارت، حين سئل عما يفعله عند تأليف الموسيقى، قال: «لا شيء غير أنني أجعل النوتات المتحابّة متجاورة». الكلام موسيقي، نطبّقه على الكتابة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التقزيمية: الدماغ خلق ليكون مركز بحث علمي، تربيتنا تحوله إلى مستودع بضائع.

abuzzabaed@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى