مأساة المهاجرين
علي قباجه
لا تزال أزمة الهجرة واسعة النطاق على أوروبا وأمريكا الشمالية؛ تشكل مصدر قلق لدول القارتين، التي أعلنت صراحة أن اللاجئين يشكلون عبئاً كبيراً عليها. ومع صعود الشعبوية واليمين المتطرف في دول أوروبية عدة، وتبني الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطاباً معادياً للاجئين، فإن المهاجرين الذين وصلوا هذه البلاد يعيشون في جحيم مطبق، ويتعرضون لأخطار عدة وشتى صنوف الممارسات العنصرية السلبية.
فقد كشف تقرير لوكالة «أسوشيتد برس» وفاة أو اختفاء أكثر من 56800 مهاجر في جميع أنحاء العالم منذ عام 2014، في حين أكدت منظمة الهجرة الدولية وفاة أو اختفاء 28500 مهاجر في نفس المدة أي نصف العدد، الذي أكدته الوكالة، وبغض النظر عن أيهما أصح، فإن هذه الأرقام المهولة تشي بما يتعرض له المهاجرون من ألوان العذاب والاستغلال، مع تنامي مشاعر الكراهية ضدهم؛ بسبب الأحزاب العنصرية، التي أصبحت ذات باع ويد طولى في الكثير من الدول، والتي لا تتوانى عن استهداف اللاجئين، وبث مشاعر الحقد نحوهم؛ ما وضع اللاجئين في مأزق الاعتداءات المتكررة عليهم.
فالبحر والصحراء، أصبحا مقبرة لآلاف الفقراء والمعوزين، الهاربين من جحيم الظلم، الذي يتعرضون له في بلدانهم، حتى وصل الأمر إلى هجرة جزء كبير من شعب دولة في أمريكا الجنوبية بشكل جماعي، متوجهاً إلى الولايات المتحدة؛ هرباً من انعدام العدالة والأمن، وانتشار العصابات والمافيات، رغم أن ما سيواجهه الهاربون هو آلاف الجنود المدججين، الذين أمرهم ترامب بالتصدي لكل من يحاول اجتياز الحدود، كما أوعز بعدم السماح لهم بدخول الأراضي الأمريكية، كما أن الآلاف من شعوب بلدان شمال إفريقيا ووسطها، يتجهون عبر الصحراء ومن ثم البحر؛ للبحث عن «النعيم الموعود»، الذي يظنون أنه متواجد في أوروبا، ولأجل ذلك يسحقون تحت جشع المهربين من جهة، ودول المهجر، التي أضحت تجرعهم الهوان، من جهة أخرى.
وبين حكومات اتخذت مواقف سلبية تجاه من يهرب؛ أملاً بحياة كريمة، وعصابات تهريب ملأ الجشع قلبها، وأضحت تضحي بالعشرات؛ لأجل حفنة دولارات، وقع المهاجرون في المجهول، فإن لم يقتلوا من اللصوص وقطاع الطرق، تلقفهم البحر، وأصبحوا طعاماً للأسماك، وإن نجوا فإن دول المهجر لا تستقبلهم بالورود؛ بل إنها تلفظهم وتنبذهم، وأحياناً كثيرة ترفض استقبالهم، أو تطردهم.
لذا فالأولى بالأمم المتحدة أن تتبنى قضيتهم، وأن تُوجد حلولاً جذرية؛ لهذه المعضلة، فلا يعقل أن يواجه هؤلاء البشر مأساتين، الأولى المتمثلة بهجرتهم، والأخرى بانعدام أمنهم التام أثناء الهروب من واقعهم، كما لا بد لها من اتخاذ مواقف جذرية تجاه الدول، التي لا تحترم حقوق الإنسان، وتدفع شعوبها للهرب. فالحياة الكريمة هي مبتغى الشعوب، فهل يتحقق ما ترنو له من نعيم وأمن وأمان في بلادها أم ستبقى فريسة للهجرات والهروب؟
العالم الذي يدعي التحضر، ومراعاة حقوق الإنسان لا بد له أن يجد حلولاً جذرية، وإلا فإن صفة التحضر والإنسانية تنتزع عنه، فلا يعقل أن يموت الآلاف دون إيجاد أدوات حقيقية لانتشال الناس من هذا الجحيم المطبق.
aliqabajah@gmail.com