مازال تحت النافذة
يوسف أبو لوز
من هم الآن في أواخر الخمسين من أعمارهم كانوا في سبعينات القرن العشرين في عز شبابهم (الإعدادية، الثانوية، الدراسة الجامعية ..والطعم السكري للحياة في يوم التخرج..).. كانوا في العشرين من أعمارهم، وفي العشرين من أحلامهم، تلك الأحلام الشابة التي تحقق منها ما تحقق، وأخفق منها ما أخفق.
السبعينات عقد زمني لم يشبهه ما قبله وما بعده من عقود:.. الروح الوطنية العربية التي أخذ الأمل يسري فيها بعد ظهور ما كان يسمى المقاومة الفلسطينية «التي تحولت اليوم إلى المقاتلة الفلسطينية»، وكانت بذرة ذلك الأمل أولاً معركة الكرامة بشكل خاص (1968) التي انتصر فيها الفلسطينيون والجيش الأردني على ما يسمى جيش الدفاع «الإسرائيلي».. والسبعينات أيضاً هي الشهور الثلاثة الأخير في حياة جمال عبد الناصر الذي غذى بشخصيته القيادية الكاريزمية ذلك الأمل الصغير الذي تحدثنا عنه قبل قليل، والسبعينات: بداية ظهور اللون في التلفزيون وشم النسيم في مصر، و«مداح القمر» لعبدالحليم حافظ، وارتفاع وتيرة شعر التفعيلة، وبنطلون الشارلستون العريض «حوالي 25 سنتيمتراً عند القدمين، والسبعينات أيضاً صوت عفاف راضي، وقبله بقليل في العام 1966، صوت أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب قائلاً: «تجوّع يا سمك» في إشارة إلى أن العرب سيلقون ب«إسرائيل» في البحر، وما جرى بعد ذلك أن "إسرائيل "ألقت بالفلسطينيين في البحر في العام 1982 عندما خرج ياسر عرفات مع مقاتليه في بواخر وسفن ودعها أهل بيروت آنذاك بنثر الأرز على رؤوس الفدائيين.
السبعينات:.. شعر المقاهي.. مقاهي الرصيف، وسياسة مقاهي الرصيف، ورومانسية مقاهي الرصيف في بيروت والقاهرة، وعمّان، وبغداد ودمشق، والسبعينات: مسرحيات فيروز والرحابنة «المحطة، بياعة الخواتم، بترا..»، والسبعينات: «ذروة دولاب النشر ودور صناعة الكتاب في بيروت والقاهرة.. وفي تلك الأيام شاعت عبارة: «.. القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ».
السبعينات: انتصار الفيتناميين على أمريكا، والسبعينات: قبعة جيفارا وسيجارة الكوبي ووسامته الفطرية التي جعلت منه إيقونة خصوصاً وهو يترك منصة الكلام في هيئة الأمم المتحدة ويشق دربه إلى مقعده بقامة كاريزمية معتدلة.
السبعينات لمن كانوا في العشرين من أعمارهم، يعني ما يسمى الحب الأول.. في العادة هو حب بنت الجيران، وبالتالي القصيدة الأولى، والدفتر الشعري الأول.
السبعينات: المسلسل التلفزيوني بعد أخبار الثامنة تماماً «هند أبي اللمع، عبدالمجيد مجذوب، زهرة العلا، توفيق الدقن في مسلسل «بنت الحتة» وعبارته المتداولة إلى اليوم «ألو يا أمم..».
السبعينات:.. الألوان، التلقائية، الأناقة، الكتابة، الصداقات الأولى، وربما البيت الأول.. كان الأب شاباً نوعاً ما.. كانت الأم شابة نوعاً ما.. وكانت الحياة بيضاء، والوقت أبيض.
ترى.. أين ذلك الشاب العشريني الذي كان يمر تحت نافذة بنت الجيران.. فتتسارع لحظتها نبضات قلبه.. وتتمهل خطوات طريقه؟؟
مازال تحت النافذة….