ماكرون الآخر
فيصل عابدون
في خطابه أمام طلاب جامعة واغادوغو في بوركينا فاسو، اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بجرائم الاستعمار في إفريقيا واعتبرها جرائم لا جدال فيها، وقال إنه من جيل فرنسي كان انتصار نيلسون مانديلا بالنسبة له إحدى أفضل الذكريات السياسية. لكنه مع ذلك لم يتحدث عن تعويضات تقدمها الحكومة الفرنسية لضحايا الجرائم التي ارتكبها آباؤه وأجداده ضد أبناء القارة وأجيالها المتعاقبة.
وبعيد وصوله إلى بوركينا فاسو وصف ماكرون هذا البلد بأنه رمز التطلع إلى الديمقراطية عند الشباب الإفريقي، وذلك في إشارة إلى الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالحكم التسلطي للرئيس بليز كومباوري الذي كانت تدعمه فرنسا. ولكن عندما حاصره الطلاب بالأسئلة عن الدور الفرنسي في مؤامرة اغتيال «أب الثورة البوركينية»، الزعيم الوطني ورئيس البلاد الأسبق توماس سانكارا، تعهد ماكرون بنزع السرية عن كافة الوثائق الفرنسية التي تكشف دور الأطراف المختلفة في عملية الاغتيال. ولكن من دون تحديد موعد محدد لنشر الوثائق التي تدين فرنسا وحليفها المطرود من الحكم كومباوري.
بذل الرئيس الفرنسي العديد من الوعود الفضفاضة والتنازلات الكلامية من دون أن يقطع التزاماً صارماً بأي منها أو يحدد إطاراً زمنياً لتنفيذها ومن بين تلك الوعود التزامه بـ«تسهيل» تسليم شقيق الديكتاتور السابق الموقوف في فرنسا لمحاكمته في بوركينا فاسو على تورطه في مؤامرة اغتيال الصحفي نوربرت زونغو عام 1998. وإعلان اعتزامه توفير الظروف الملائمة لتعيد فرنسا بشكل مؤقت أو بشكل دائم التراث الفني إلى إفريقيا خلال خمس سنوات.
تعتبر هذه الزيارة الثالثة للرئيس الفرنسي إلى إفريقيا بعد زيارتين سابقتين إلى دولة مالي، وهي تشمل هذه المرة أيضاً ساحل العاج وغانا. ومنذ تسلمه السلطة في قصر الإليزيه يعتبر ماكرون القارة الإفريقية مجالاً حيوياً لتكريس الزعامة والنفوذ الفرنسيين وهو يتحدث دوماً عن إقامة صلات جديدة في مجالات الاقتصاد والتجارة والرياضة والفن بالإضافة إلى تحالفات أمنية لمكافحة الإرهاب واحتواء الهجرة غير الشرعية. لكن ذلك لا يشمل تقديم أي مساعدات فرنسية لدعم الاقتصادات الإفريقية والمساهمة في ازدهارها.
هذه المواقف المنقوصة للرئيس الفرنسي ربما لا تكون استمراراً لنوعية التفكير النمطي لزعماء الدول الغربية التي تعتبر القارة السمراء مستودعاً للموارد والمواد الخام تمتلكه أوروبا الصناعية المزدهرة. لكنه قد يقدم مفتاحاً لفهم المواقف المتناقضة لزعيم الإليزيه الشاب قليل الخبرة. فقد كان ماكرون بالذات هو قائل التعليق السطحي والسخيف في قمة العشرين الأخيرة عن أن إفريقيا تعيش مشكلة حضارية بسبب خصوبة نسائها.. وهو نفسه الذي دعا لإقامة معسكرات فرز للاجئين خارج الأراضي الأوروبية. الأمر الذي نددت به منظمات دولية واعتبرته تفكيراً عنصرياً وغير إنساني.
Shiraz982003@yahoo.com