قضايا ودراسات

ما الذي يجمع أردوغان بمادورو؟

محمد نورالدين

يُعرف عن قادة فنزويلا منذ الراحل هوجو شافيز مواقفهم المعادية للولايات المتحدة وهيمنتها على دول أمريكا اللاتينية. وقد عملت الإدارة الأمريكية أكثر من مرة على محاولة الإطاحة بشافيز. ولم ترتح واشنطن بوفاته؛ إذ إن خليفته نيكولاس مادورو واصل خط شافيز بصرامة أكبر ولا يزال حتى الآن.
ويُعرف عن شافيز ومادورو عداءهما ل «إسرائيل»، ووقوفهما إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، بحيث يكاد المرء يعتقد أن فنزويلا دولة عربية أصيلة في الدفاع عن القضايا العربية والهوية الفلسطينية.
ولفت منذ فترة، إلى أن الرئيس مادورو التقى أكثر من مرة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فلبى دعوته لحضور قمة منظمة المؤتمر الإسلامي بشأن القدس، التي انعقدت في إسطنبول. كما أن أردوغان عرج في طريق عودته من قمة العشرين في الأرجنتين، على فنزويلا، ملتقياً بالرئيس مادورو. وبدا في الصور الجامعة للرئيسين كما لو أنهما يقودان حلفاً له مبادؤه وثوابته وخصومه وأهدافه، وهو تحرير العالم من الهيمنة الأمريكية.
لا ينكر أحد أن للدول مصالح تتجاوز غالباً التباينات الفكرية والمبادئ الأيديولوجية، وفي العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين مثال كبير على ذلك. ولكن إذا كان مادورو وفياً لمبادئه التحررية التي هي استمرار لحركات التحرر اللاتينية الممتدة عميقاً في التاريخ، وإذا كان يتقاطع مع أردوغان في بعض لحظات الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة، فإن هذا الأمر لا ينطبق على سلوكيات الرئيس التركي بصفته رئيساً لحزب العدالة والتنمية، ورئيساً للجمهورية التركية. وبالتالي، فإن «الغيرة» التي يحرص عليها أردوغان تجاه مادورو، لا تمت إلى الواقع بصلة ولا تنسجم مع تاريخ علاقات تركيا الخارجية قبل أردوغان ومعه.
لقد اتسم تاريخ تركيا بالتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي الذي تأسس لمحاربة الشيوعية، ومادورو كما فيديل كاسترو وشقيقه، هم من أواخر رموز الشيوعية.
وعندما وصل حزب العدالة والتنمية، تفاءل الناس من أن وصول حزب إسلامي إلى السلطة، يمكن أن يشكل بداية مرحلة جديدة تعيد تركيا فيها النظر في علاقاتها الوثيقة مع «إسرائيل».
غير أن التوقعات والآمال كانت في مكان، وما حصل كان في مكان آخر. فاندفعت تركيا لتعزيز علاقاتها مع «إسرائيل» بدعوة رئيسها شمعون بيريز إلى تركيا عام 2007 ليلقي خطاباً، هو الأول لمسؤول «إسرائيلي» أمام البرلمان التركي.
ومن بعد ذلك عملت تركيا كما لو أنها بلد محايد على التوسط بين «إسرائيل» والفلسطينيين تبعاً لدبلوماسية أحمد داوود أوغلو المكوكية.
وتمر السنون فتبادر تركيا إلى تطبيع العلاقات مع «إسرائيل» في 28 يونيو/‏حزيران 2016، مسقطة شرط رفع الحصار عن غزة وموافِقة على تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي والعسكري معها.
وعندما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق من هذا العام اعتبار القدس الموحدة عاصمة ل«إسرائيل»، كان صوت أردوغان عالياً في رفض الخطوة من دون أي إجراء عملي لترجمة هذا الموقف.
وفي ظل العلاقات الوثيقة التركية مع «إسرائيل»، واستمرار تركيا في عضوية حلف شمال الأطلسي، والأدوار الاستخباراتية المهمة والأمنية والعسكرية التي تؤديها ضمن الحلف وخدمة له، فإن التساؤل في محله، ليس ماذا يفعل أردوغان مع مادورو؛ بل ماذا يفعل مادورو المعارض للسياسات الأمريكية في العالم، مع أردوغان الذي يقدم الخدمات الكثيرة لسياسات واشنطن و«إسرائيل»؟.

زر الذهاب إلى الأعلى