قضايا ودراسات

ما ورائيات المكاسب الآنية

عبداللطيف الزبيدي

ما هو الرأي العام؟ هل يمكن أن يتفق الناس جميعاً على شيء واحد؟ حتى على الألوان والأغذية والفنون والآداب، للناس في ما يعشقون مذاهب. الأمر يختلف حين يكون المحور متعلقاً بمصاير البشر. مثلاً: لا يمكن أن يتفق أهل الكوكب على تفجير مجموع القنابل النوويّة دفعة واحدة، و«نخلص»، تطبيقاً لقول أبي العلاء: «تعب كلها الحياة…»
مدخل طيّب إلى أزمة كردستان. القضيّة التي نربطها بالرأي العام، أبعد من وضع «إسرائيل» في الزاوية الحادّة وسؤالها: لماذا ظللت سبعة عقود ترفضين إقامة دولة فلسطينيّة على أرض تقسيم 1947، وحتى حدود 67 التي رضي بها الذين تخلّوا عن إصرار شعبهم على استرداد حقه؟ هل الفلسطينيون شتات جيء به من الجهات الأربع؟
دعونا نفكّر بمنطق عالميّ إنسانيّ، وسندرك أن الرأي العام لا يحتاج إلى تصويت. في النظرية ما يكفي للبرهنة على عواقب التطبيق. ماذا لو عقدت منظمة الأمم المتحدة مؤتمراً استثنائياً تاريخيّاً عنوانه: «استقلال كل أقليات العالم وأكثرياته؟ الجانب الساخر هيّن، وهو أن يصبح عدد الدول مئات أو بضعة آلاف. نحتاج إلى مركز دراسات وعمل شهور للحصول على رقم دقيق. ثم إن الأقليات والأكثريات مختلطة، فكيف يمكن غربلتها، غربل الله هذه الفكرة؟ الدول الكبرى والبلدان الديمقراطيّة ستكون أولى ضحايا الرحى. انعقاد المؤتمر سيكون قمّة السخرية، لأن الدول المجتمعة غير مؤهلة للحديث باسم أقليّاتها وطوائفها وإثنيّاتها وأديانها ومذاهبها ودساتيرها ومؤسساتها. الأمر أكبر من السؤال: لماذا تريد دول لغيرها ما ترفض تطبيقه على ترابها السياديّ؟ الأخطر هو تصوّر الصراع على الثروات الجوفية والسطحيّة بين الدول التي هي قطع زجاج قارورة الدولة المنكسرة. الخطر الأكبر هو الحرب الأهليّة التي تندلع بالاقتتال على أسلحة الدولة المتفككة. تصبح «سايكس-بيكو» ومؤتمر يالطا «لعب عيال». هذه حرب أهليّة منفلتة على سطح الكرة برمّتها.
هذه التداعيات تبدو لوناً من الدعابة، ولكنها إذا أخذت على أنها سخرية سياسيّة للتندّر والفكاهة، جرّت الويلات على من لا يحسب حساباً للتداعيات. الانهيارات الجبليّة تبدأ دائماً بتساقط أحجار متراقصة تسرّ الناظرين. هنا تصبح ضرورة دراسة مدى أهمّية المكاسب الجانبيّة، واحتمالات تحوّلها إلى عواقب مشؤومة. البرزاني بهرته المكاسب وهو لا يدري أنه هو الطُّعم في الصيد، لا أكثر.
لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: على غرار «اذهب إلى أقصى اليسار تجد نفسك في اليمين»، اذهب إلى أقصى الديمقراطية، تجد نفسك في الحرب الأهليّة.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى