مقالات عامة

ما ورائيات تاريخ القطط

عبد اللطيف الزبيدي

هل عرفت لماذا كانت للهررة مكانة خاصّة فريدة في مصر القديمة؟ إن كنت قد حفظت شيئاً فقد غابت عنك أشياء، ذكرتْ خلفيّاتها التاريخيّة مجلّة «العلم والحياة» الفرنسية في عددها الأخير. لم يكن في إمكان المصريين القدامى، وشعوب الهلال الخصيب التنبؤ بمستقبل القطط، ولا في مستطاع جميع الأمم في العالم معرفة أصل كل هذه الحيوانات الأليفة.
لم تتحدث المجلة عن الأهمّ تاريخيّاً، وهو أن مصر القديمة ووادي الرافدين هما المهدان الأوّلان لزراعة الحنطة، وأن تلك المرحلة الزمنية سبقت بكثير المآثر الحضاريّة العليا في الحضارتين، فالمنطق العلميّ يقضي بأن تكون معالم الأقصر والجيزة وفي مقدمتها الأهرام أوج حضارة لا منطلقاً وبداية، فقبل ذلك مئات بل ربما آلاف من السنين. الجديد الذي يستنتجه القلم، هو أن المكانة المقدّسة التي حظيت بها القطط في مصر القديمة لها جذور اقتصاديّة خالصة، صارت بمرور القرون معتقدات تقديسيّة تحجب الحقائق الماديّة.
الآن يأتي التنوير من المجلة: قبل 13 ألف سنة، أدّى اكتشاف الزراعة إلى تخزين الحبوب بكميّات كبيرة، ما جلب القوارض، فئراناً وجرذاناً بأعداد هائلة أضرّت بأقوات الناس. كانت القطط الشرق أوسطية وحشيّة غير مستأنسة. لكنها عثرت بدورها على مصادر غذائية حيّة لا ينضب لها معين، كما ظفرت المجتمعات بسلاح مجانيّ ينقذ الحبوب، فاستقبلوا الهرر بما هي أهل له من الحفاوة والودّ، فصارت أليفة بلا عناء. ما يعني أن التقديس الذي أحيطت به هذه الحيوانات السنّوريّة، كان في الحقيقة تكريماً للخدمات الاقتصاديّة التي أسدتها.
الاكتشاف المهمّ هو أنّ قطط الشرق الأوسط وراثيّاً هي علّة كيان ستمئة مليون هرّ أليف في العالم من مختلف الفصائل. الأطرف هو أنها لا علاقة لها بنظيراتها المتوحشة المنتشرة في الغابات الأوروبية. هي بنات عمومة في الجذور الأبعد. هرر هذه المنطقة غزت آسيا حوالي 1700 قبل الميلاد. وهاجرت إلى القارّة الأمريكيّة مع كريستوف كولومبوس. الاستئناس أدّى إلى تغيير 281 مورّثاً من جينات القطط، لتعديل سلوكها، أداء أجهزتها البدنية، ردّ فعلها في حالة الخوف، قدرات التعلّم لديها وحتى ألوان فرائها. لكنها احتفظت من أسلافها المتوحشة باستقلاليتها وبراعتها في الصيد، التي تتيح لها العيش مع الإنسان أو من دونه. لهذا يراها بعض العلماء نصف أليفة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستراتيجيّة: مفيد أن يتعلّم النظام العربيّ من القط أن يكون نصف أليف، ذا استقلاليّة.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى