مجلس التعاون في البيت الأبيض
يدخل مجلس التعاون البيت الأبيض حاملاً معه طلعة عقلانية بهمة فريدة في محتواها، مريحة في مفرداتها، كريمة في مساهمتها، راقية في سلوكها، واعية لمسؤولياتها، شريكة في الأمن العالمي، حاضرة في المسار الدولي للتنمية، مسالمة في دبلوماسيتها، واعدة في مسارها، يثق بها الجميع، ويعترف العالم بخصوصيتها، هذه مؤهلات تملكها دول مجلس التعاون، توافرت لها لمسببات كثيرة، أبرزها مسارها التاريخي، وتنوّع المراحل في حياتها، التي لم تكن سخية في عطائها، وإنما قانعة بنصيبها.
هذا رصد موجز لملامح مجلس التعاون المعبّرة عن مواصفات الدول الأعضاء، مستذكراً استثنائية الموقع الاستراتيجي الجغرافي، وفوق ذلك راصداً مواقف الرئيس ترامب، التي اتخذها خلال رئاسته السابقة للولايات المتحدة.
ومع فوزه الكاسح، ليس فقط كرئيس في الانتخابات الاخيرة، وإنما ما صاحب هذا الفوز من تميز الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ ومجلس النواب، الأمر الذي سيؤمن للرئيس ترامب مساراً مريحاً توفره له السلطة التشريعية، وهنا أود إبداء بعض الملاحظات:
أولاً: لا نستطيع تجاهل قراراته السابقة التي اتخذها تجاه فلسطين، مؤكداً موقفه المنحاز لإسرائيل والداعم لتوسعاتها في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، ومؤازرته لضم القدس، متجاهلاً المواقف الأمريكية المتأنية تجاه التوسع الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية وفي القدس، ومباركاً خطوات التطرف في قرارات الحكومة الاسرائيلية، وبتجاهل تام للحقوق الفلسطينية وللمواقف العربية، وغير معترف بما سيفرزه هذا التحول في التوجه الأمريكي وحصيلته في انحسارات فرص التوصل لحلول سلمية قائمة على أسس مقبولة لجميع الأطراف.
هذا مثال من لائحة كثيرة خالف فيها الرئيس ترامب الموقف الأمريكي الثابت منذ حرب 1967، والذي تعاملت معه الأطراف المعنية مباشرة، مثل منظمة التحرير ودول الجوار العربية.
ثانياً: كان موقف الرئيس ترامب السابق حول المفاوضات بين المجموعة الغربية برئاسة الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي مختلفاً عما سارت عليه المجموعة الغربية، فكانت توجهاته تميل نحو المواجهة، فإذا لم تذعن إيران لمتطلبات الوكالة المختصة بمراقبة برنامج إيران النووي، فعندها سيتصرف وفق اختياراته، التي تتضمن إجراءات رادعة يختار الرئيس ترامب تطبيقها ضد إيران، وأعتقد بأنه ما زال يؤمن بأنه قادر على تطويق المخاطر الإيرانية النووية وفق وصفة العلاج، التي سيطبقها على إيران، وهي مفتوحة في طبيعتها، لا تخلو من عقوبات ومواجهات، ولن يتأثر الرئيس ترامب بمواقف فرنسا أو بريطانيا تجاه إيران، لأنه يملك اجتهادات يتصور أنها ستضع إيران أمام خيارين، إما المواجهة أو التعاون.
ثالثاً: شهدت علاقاته مع دول مجلس التعاون خلال الفصل الأول من رئاسته الكثير من التواصل، فأول زيارة له خارج الأراضي الأمريكية كانت إلى المملكة العربية السعودية، وسط مشاعر التفاؤل وطيب النوايا، مستنداً على تاريخية العلاقات بين الرياض وواشنطن، كما اتسعت تواصلاته المباشرة مع قيادات هذه الدول، لاسيما دولة الإمارات وقطر وعمان، وحافظ على النهج الودي التاريخي مع الأردن والكويت، واستمرت آليات التواصل بين الطرفين خلال دورته الأولى مع علاقات شخصية مع الزعامات الخليجية، وأعتقد أن حصاد الصداقة السابقة ستتصاعد نوعاً وكماً، وربما تزدهر إلى مدى غير متوقع.
رابعاً: هناك مخاوف من خطوات قد يتخذها الرئيس ترامب تؤثر على سلامة واستقرار قواعد النظام الاستراتيجي العالمي، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في أوروبا، قد تمس دول الناتو في الاستقرار، أو في مناطق أخرى من أفريقيا وآسيا، لاسيما في علاقته مع الصين وكوريا الشمالية، وتصوراته عن قدرته لإيجاد حلول لملف الاضطراب العالمي، فلا يستطيع أحد من الحلفاء التنبؤ بما لديه من أفكار تنبت من اجتهاداته.
خامساً: لا أتصور أن الرئيس ترامب سيتبنى ملف تحولات المناخ بمستوى الاهتمام والمثابرة، التي وفرتها إدارة الرئيس بايدن لهذا الملف المهم، ودوره المستقبلي في حياة الأسرة العالمية، مع احتمالات طغيان الدمار على بعض أجزاء الكرة الأرضية، وعلى من يقطنها من البشر، والواضح أن الرئيس ترامب، ومن خلال رصد اهتماماته بالمناخ، لم يوفر الاطمئنان على حجم مساهمته ودورها في تنفيذ برامج التعامل مع مخاطر المناخ، ومن دون الدور الأمريكي الايجابي لن تستكمل الجهود العالمية آليات التعامل الايجابي مع تبدلات المناخ، لأنه يملك أولويات، ليس من بينها القلق من تبدلات المناخ، وإنما يضع أولوياته في جهده مع الحلفاء الأوروبيين لزيادة مشاركتهم الدفاعية في أمن أوروبا.
سادساً: تواصل دور الولايات المتحدة في برامج التنمية العالمية تميزاً مع ولادة الأمم المتحدة، واستمرت في ممارسة إقناع الدول القادرة على المساهمة في دروب التنمية، لاسيما تجاه الدول التي تعاني من الفقر مع كثافة سكانية، سواء في أفريقيا أو آسيا، وتعاني من شح في العملة الصعبة، بالإضافة إلى مساهمتها السخية للمنظمات العالمية، وبرامجها التنموية تجاه الدول النامية، وتمكنت الولايات المتحدة من تأمين موقع بارز في المساهمات العالمية، كما لم تتردد في تشجيع وحث الآخرين من الدول القادرة، مثل دول الخليج، للاسهام ثنائياً في دعم خطط الدول النامية، عن طريق برامج الأمم المتحدة، والواضح من فلسفة الرئيس ترامب أنه يملك اجتهادات مختلفة لم يتعرف عليها العالم ولا المنظمات العالمية، فهو رجل أعمال معروف في نيويورك، واستوطنت هذه النزعة في حياته، ومن الواضح أنها حاضرة في تصوراته حول التنمية العالمية، فلا بد من مفاجآت تصاحب الرئيس، الذي لا يتوقف عن إدخال إضافات في الأسلوب وفي الحصيلة.
سابعاً: أتطرق إلى ثنائية العلاقات بين الكويت والولايات المتحدة، التي تنطلق من شراكة استراتيجية تعكس دورها المؤثر في تحرير الكويت، وتعمقت حبال الترابط من خلال تواجد الرادع المحافظ على أمن الكويت وسلامتها وصون سيادتها، مع وعي شعبي بضرورات توافر الردع وبشكل دائم، فلا أمان في منطقة يتواجد فيها المغامرون والمزورون والطامعون، فمهما ملكنا من حقائق المساندة التاريخية، تظل القوة الرادعة هي الوصفة التي تعيش الكويت برفقتها، فنحن عشنا التاريخ، ورأينا العجز العربي، وتعرفنا على خرافية الشعارات ودورها في إخفاء الحقائق، ونحيي سمو الأمير في اتصاله بالرئيس المنتخب ترامب، مباركاً له وموجهاً له دعوة لزيارة الكويت، مع التأكيد على منافع التواصل، كما جاء في متطلبات الشراكة الاستراتيجية، ولا شك بأن جميع دول العالم تسعى لمعرفة خطوط الدبلوماسية التي سيتبناها الرئيس ترامب، ونحن في الخليج مثل الآخرين في انتظار مستجداتها.
وهنا أذكر مجدداً بأن الكويت الحاضر غير الكويت قبل الغزو، وهنا تميزت الكويت لأول مرة بتحقيق صلابة أمنها، متمثلة في وسائل الدفاع، وتبني الازدواجية الدبلوماسية التي تتواجد فيها عناصر الردع مع آليات الدبلوماسية الناعمة، التي عاشت فيها الكويت منذ الاستقلال، مستندة على مفاهيمها وتفسيراتها للتضامن العربي، الذي أثبت رخاوته وانهياره، متمثلاً في رفض إحدى عشرة دولة إدانة العدوان، وغياب معارضتها لعملية الغزو، وتبقى هذه الواقعة الأبرز في فشلنا للوصول إلى التقييم الحقيقي والواقعي للعلاقات بين الدول العربية.
نقلا عن القبس