محاربة الجرائم الإلكترونية في ألمانيا
برنهارد رولدر*
يهدف قانون الشبكة العنكبوتية الذي أقرته الحكومة الألمانية، وسرى اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني 2018، إلى تعزيز الأطر القانونية التي تحكم شبكة الإنترنت، وتكافح المحتوى الرقمي الذي يدعو للكراهية. كما يستهدف القانون الجديد مجرمي الشبكات الإلكترونية، والجرائم التي يقومون بها وأنشطة القرصنة وغيرها. ولكن وبعد أيام قليلة، فقط من سريان نفاذ القانون، تغير الوضع العام، بحيث أصبحت السلطات تعطي أوامر لمنصات التواصل الاجتماعي بحذف المنشورات التي تتضمن تعبيراً شرعياً عن الرأي، وهو ما يعتبر مخالفاً تماماً لما تم أصلاً من أجله إقرار القانون وتمريره وتنفيذه، وهو بهذا يحارب التوجه القائم على محاربة الجرائم الإلكترونية.
وسيكون لزاماً على الشبكات الاجتماعية الخاضعة للقانون الجديد، حذف المنشورات التي يصنفها القانون على أنها غير قانونية، خلال 24 ساعة من إخطارها بذلك، ويجب أيضاً على منصات التواصل مراجعة جميع المنشورات الأخرى غير القانونية خلال 7 أيام من إخطار السلطات لها ومن ثم حذفها.
وفي حال لم تمتثل تلك الجهات للإخطارات الحكومية النافذة بواسطة القانون، فإن تلك الجهات يمكن أن تواجه غرامات تصل إلى 50 مليون يورو، وهو ما يضع تلك المنصات تحت ضغط رهيب، حيث يترتب عليها مراجعة كم كبير من المنشورات خلال فترة زمنية قصيرة جداً.
بيد أن المشكلة الأكثر تعقيداً، تتمثل في أن القانون الجديد يحمّل الشركات الخاصة، وليس القضاة، مسؤولية تحديد قانونية أو عدم قانونية المحتوى المشكوك في أمره، وهو ما يعني بطريقة أخرى، أن الدولة خصخصت إحدى مهامها الأساسية وهي إنفاذ القانون، ومنحت تلك الشركات الخاصة الحق في اتخاذ القرار المناسب فيها.
وإضافة إلى ذلك، و ما لم تكن هنالك طريقة لحفظ تلك المنشورات، فإن حذف المحتوى هو في الحقيقة إخفاء للدليل الذي يمكن تقديمه للمحكمة. أما من حيث تطبيق القانون، فبمجرد حذف المنشور، لا يمكن بعد ذلك استخدامه لأغراض التدليل بالطب الشرعي.
ويرى العديد من الخبراء القانونيين، أن القانون الجديد يخالف الدستور الألماني، خصوصاً الفقرة الخامسة التي تنص على الحق في التعبير عن الرأي وحرية الحصول على المعلومات. وتعتبر عملية تحديد ما إذا كان المحتوى قانونياً أو خلافاً لذلك؛ أمر يمكن التحايل عليه، خصوصاً في حالات النقد والفن، ولكن يجب علينا ألا نسلم الشركات الخاصة هذه المهمة الحساسة لكي تقوم بها، والتي تكون في الغالب شركات أجنبية، ويجب ألاَّ نسمح لها بالتحكم في حقوقنا الأساسية، التي تتضمن حرية التعبير والرأي، وتفسيرها بالطريقة التي تحلو لها.
*واشنطن بوست