محمد بن راشد.. مدرسة عالمية
محمد عبدالله القرقاوي
لا يمكن تخيل أي حضارة دون شخصيات استثنائية، شخصيات قيادية، ترسي قيمها وتصوغ فكرها وتصنع رؤاها ومبادئها. إن الحضارات الإنسانية تقوم على شخصيات وقيم ومبادئ ورؤى وفكر.
أعطتنا الحضارة اليونانية شخصيات مثل أرسطو وأفلاطون وسقراط وغيرهم ممن صنعوا المزاج الفكري والعلمي والإنساني. وحين نتحدث عن الحضارة الصينية القديمة، فإن أول ما يخطر في الذهن كونفوشيوس، المعلِّم والفيلسوف، الذي شكّلت تعاليمه ما يشبه “مدونة السلوك الأخلاقي” لأمة بأكملها. ولا يمكن تخيل الحضارة المصرية والتاريخ المصري بدون قادة أمثال الملك مينا موحد القطرين، والملك رمسيس الثاني ، ومحمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة. وهناك الحضارة الإسلامية التي بات علماء المسلمين وحكمائها وقادتها رموزاً نهضوية عالمية أمثال هارون الرشيد والمأمون وابن سينا والخوارزمي وابن رشد.
وفي التاريخ الحديث، قامت أمم عظمى مثل الولايات المتحدة على رجال عظام، أمثال إبراهام لينكون، وجورج واشنطن، وفرانكلين دي روزفلت. ولا نستطيع أن نغفل شخصية ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني والمفكر والفيلسوف الذي يضعه التاريخ في كفة، وتاريخ بريطانيا العظمى كله في كفة أخرى!
إن الحضارات ليست بنياناً، وليست مدناً وبلدات، وليست صروحاً ومشاريع فقط، بل هي القادة والحكماء والرجال الذين يقفون وراءها. الحضارات هي الشخصيات التي لديها فكر ورؤية ورسالة تسعى من خلالها إلى ازدهار البشرية ونمائها واستقرارها؛ الحضارات هي منظومة قيمية وفكرية وإنسانية في الأساس، وأولئك من يسعون إلى ترسيخ هذه المنظومة هم عصب الحضارة.
واليوم نحن بحاجة لترسيخ هذه المنظومات من سير القادة عندنا، سيرة الشيخ زايد رحمه الله، والشيخ راشد بن سعيد، والشيخ محمد بن راشد، والشيخ محمد بن زايد، وغيرهم. إن الأجيال بحاجة لقدوات، وإذا لم نقدم لهم نحن القدوات، فسوف يقدم لهم العالم نماذج لا تمثلنا ولا تمثل قيمنا التي هي امتداد للقيم الإنسانية الأصيلة.
إن أبناء المنطقة بحاجة للتعلم من قادة ناجحين، وإذا لم نقدم لهم نماذجنا الناجحة فقد يتبنون نماذج غريبة عن وطننا العربي. القادة والإداريون يحتاجون إلى أمثلة، وإذا لم نقدم لهم أمثلة قيادية صحيحة، فقد يتأثرون بنماذج قد لا تكون هي الأصلح لبيئتنا.
نحن كإماراتيين شعب متواضع، ولا نحب الحديث أو التفاخر. ولكن في عالم اليوم، إذا لم تتحدث عن انجازاتك وقياداتك فسيتحدث غيرك. لا بد أن تكون لدينا جهود وطنية حقيقية لترسيخ المنظومة الفكرية القيادية الإماراتية، وهذا جزء رئيسي من منظومة الفكر العربي الحديث، والتاريخ العربي الحديث.
اليوم المهاتما غاندي جزء من القوة الناعمة الهندية، وماو تسي تونغ يقترن بالصين الحديثة، والمناضل نلسون مانديلا هو الوجه الجميل لجنوب أفريقيا. والقوة الأمريكية في القيادة والإدارة والابتكار والفنون والرياضة والإعلام، هي الأكثر حضوراً عالمياً، وبالتالي هي الأكثر تأثيراً.
إن أهم ما تحتاجه منطقتنا اليوم قادة أصحاب تجارب قيادية وإدارية ناجحة، لأن ملايين الشباب سيلتفون حول سيرتهم، ويتعلقون بهم.
لدينا اليوم أهم تجربة تنموية ناجحة في العالم العربي، ممثلة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولدينا قائد مثل الشيخ محمد بن راشد، أحد أعمدة التنمية في دولتنا الحديثة. على مدى عقود، تحولت تجربة محمد بن راشد إلى مدرسة فكرية في أصول الحكم والقيادة، وهي مدرسة تقوم على نهج ثابت وعلى منهج لا يتبع المعايير وإنما يضعها، ومن واجبنا أن نشارك رؤيته وحكمته مع الآخرين.
لقد اعتدنا أن نقرأ كتباً في الإدارة والقيادة الفعالة لإداريين ومفكرين ومنظرين، لنتفاجأ بأن ما يكتبونه إنما نظريات وأفكار، أو طموحات في أفضل الأحوال، ذلك أن تجربتهم ورؤيتهم لا تعكس مسار التنمية في بلدانهم، الذي غالباً ما يتسم بالبطء. فلماذا نتعلم منهم فقط دون أن نحاول نقل تجربتنا إليهم، خاصة وأن لدينا تجربة في القيادة باتت في العقود الأخيرة نموذجاً يتحدث عنه العالم أجمع؟
لدينا ثروة هنا، ثروة هي الأعظم في المنطقة العربية، هي قيادة بحجم محمد بن راشد آل مكتوم، وهي ثروة يتعين أن نحافظ عليها، وأن ننميها والأهم أن نعمم تجربتها؛ نعم مدرسة محمد بن راشد، ومنظومة محمد بن راشد في الإدارة والقيادة؛ قيادة رفعت السقف للمنطقة كلها، وغيرت نظرة العالم لنا، وأثبتت لمئات الملايين من الشعوب بأننا قادرون على صنع المعجزات.
من مسؤوليتنا إزاء الأجيال الجديدة أن نعرّفهم بإرث محمد بن راشد، الذي يُكتب يوماً بعد آخر، وبإنجازات قيادتنا التي حولت الصحراء إلى مدينة عالمية للمستقبل خلال سنوات بسيطة، هو إنجاز يستحق أن يدرس في الجامعات، وأن تُكتب عنه بحوث للحكومات، وهي مدرسة إماراتية عربية، تستحق أن نشاركها العالم.
لدينا اليوم ثروة عربية اسمها محمد بن راشد، يحتاج فكره الكثير من الأمم والشعوب، مدرسة ستشكل عاجلا أم آجلا التاريخ الحديث للمنطقة العربية.